بريطانيا دولة ديموقراطية بلا دستور، والكويت دولة دستورية بلا ديموقراطية.
مفارقة عجيبة ولكنها حقيقة وواقع، فبريطانيا تأتي على قمة الدول الديموقراطية في العالم ولكنها بلا دستور مكتوب، بل تعتمد في ديموقراطيتها على أعراف قانونية راسخة في الوجدان السياسي البريطاني.
ومن الإجحاف مقارنة الديموقراطية الكويتية بالديموقراطية البريطانية، وأنا ما قصدت ذلك وما كان هدفي من الكتابة.
إن ما هدفت إليه هو القول بأن ديموقراطيتنا خاضعة لأعرافنا لا لدستورنا وأن أعرافنا أقوى كثيرا من دستورنا، وأن الدستور والذي يشهد العارفون بالدساتير له بأثمن الشهادات ويعتبرونه من الدساتير الرائدة والجيدة على مستوى العالم، هو حبر على ورق ومرفوع على رف من أرفف المتحف، لا صوت له ولا عين ولا لسان.
اعتبروه من مخلفات الماضي ومن إرث الأجداد، ومجرد عبارات جوفاء للزينة والتباهي، وأحالوه إلى التقاعد المبكر دون علة أو سقم.
من المفترض أن الدول تلجأ إلى كتابة الدساتير من أجل العمل بها لا من أجل رفعها فوق الأرفف أو لحدها أو التباهي بها.
والدستور هو حماية للشعب من الأعراف ومن سطوة العادات وغلو التقاليد، فمن المعروف أن للأعراف سطوة وسلطة وأنها لا تساهم في تقدم الشعوب ونهوض البلدان بل تجعل البلدان تراوح في أماكنها والعالم يمضي إلى الأمام. لذلك يجيء الدستور حماية للأمم والشعوب من سلطة الأعراف والعادات والتقاليد.
ولقد رأينا نحن الكويتيين حين بدء العمل بالدستور أنه فعلا سار بنا إلى الأمام وأدخلنا العصر من أوسع أبوابه وسطر لنا قوانين كفيلة بحماية حقوقنا كمواطنين، وأنه تجاوز الأعراف والتقاليد البائدة ولم يرتهن إليها، ولكن مع الأسف فذلك الواقع الوردي المزهر لم يستمر طويلا والربيع الدستوري سرعان ما أفل قمره واضمحل وغاب، وعدنا إلى الاحتكام إلى الأعراف والتقاليد، وبتنا نتعامل وكأنه لا دستور في هذه البلاد، وشرعوا لنا قوانين جارت على الدستور، وجارت الأعراف وسارت في ظلها وبدت وكأنها ضلع من أضلاع تلك الأعراف.
يقول شاعرنا الراحل أحمد العدواني
«ما أعظم الدستور في ظلاله شعب على أقداره يسيطر»
قال ذاك حينما كان دستورنا حيا قبل أن يئدوه.
[email protected]