كل شيء في الحياة متحرك متجدد حتى الجماد.
فالجماد تراه في جدته غير ما تراه بعد فترة من استعماله وأيضا غير ما تراه بعد فترة أطول، حيث سيتغير لونه أو يصدأ ويتآكل وهكذا، ومن ناحية أخرى فإن الجماد وتمثله المواد والأجهزة المصنوعة تغيرت أشكالها على مر التاريخ وتعاقب الأزمنة ولم تبق على حالها كما أوجدها مخترعها أو صانعها الأول، وهذا يدل على تجددها وتغيرها وينفي جمودها وثباتها.
ومن هذا أقفز إلى المجتمعات البشرية والجماعات الإنسانية والشعوب والدول، فتلك المجتمعات متجددة متغيرة بحكم المستجدات وبحكم ما يطرأ على الحياة من نظريات وعلوم ومكتشفات ومخترعات جديدة تؤثر في طبيعة سلوك الأفراد وتساهم في تغيير عاداتهم وسلوكياتهم.
وكمثال على ذلك فإنه قبل تصنيع السيارة وقبل شق الطرق وتعبيدها، كان السفر أمرا شاقا وصعبا إلى جانب خطورته حيث يتعرض المسافرون إلى الكثير من أهوال الطريق مثل الحيوانات المفترسة أو قطاع الطرق مع احتمال الضياع والتعرض للموت بسبب الجوع والعطش، لذلك كان من المستحيل تقريبا أن يسافر الإنسان بمفرده ولا بد من السفر بوساطة القافلة، ولكن بعد السيارات وشق الطرق وتعبيدها صار السفر سهلا والمرء قادرا على السفر وحده قاطعا آلاف الأميال دون خوف من ضوار ولا ضياع ولا جوع ولا عطش.
إذن هذا مجرد تمثيل لتغير السلوك الفردي المرتبط بوجود الآلة، وعليه فإن المجتمعات الإنسانية من المستحيل أن تبقى على ما هي عليه من آراء وأفكار وفلسفات وعادات وتقاليد دون أن تتطور أو أن تنزع جلدها القديم وترتدي أزياء العصر وتلتحف بمكتسباته.
ويرى البعض أن مقولة «مجتمعنا محافظ» هي من باب المديح لمجتمعه، بينما هي في الحقيقة مذمة ومسبة لهذا المجتمع الجامد غير القادر على التفاعل والتأثر والتأثير.
قبل منتصف القرن العشرين كان تعليم البنات في الكويت شبه محرم أو أنه خروج على الأصول والعادات والتقاليد، أما لاحقا فقد صار إلزاميا وتعلمت فتيات الكويت جميعهن.
فماذا لو انتصر الظلاميون أو المحافظون وأبقوا على منع تعليم البنات؟ ماذا سيكون حال مجتمعنا الآن والعمالة النسوية فيه هي عماده وركيزته؟
[email protected]