- البحث عن الحقيقة غير مطلوب.. لأنه غير مجد
- الضعفاء يتوهمون: إن لم تسق لك أقدارك عدواً فاصنعه
- الأقلام إما تتحّول إلى سياط تجلد النساء أو ماء ورد وعطور تنسكب على أجسادهن
- كلما وقعت جريمة بيد رجل قالوا: «فتّش عن المرأة»
- العين تبصر فقط حسب ما يعطيها العقل من أوامر
- الذين يعيشون مغرب العمر يتحلقون حول أماسيّ لا أصيل لها
حياتك.. فيلم يشاهده الآخرون ولا تراه.. أنت
ضحى العمر
كلما دنا العمر من المغيب.. وأخذت شمسه في الأفول
تربعت الذكريات.. على عرش الزمن القصيّ.. وراحت تتراوح وتتراقص
وترتدي أثواب زينتها.. وترقص رقصة «سالومي» الغانية.. تُضل ذا الرشد حتى يخلع رشده.. ويتسرب الى حضن الشيطان.
ذكريات العمر.. لا عمر لها..
لم تولد في زمن.. ولم تمت في آخر..
تتناسل.. حلالا.. على فراش شرعي..
وقد تكون.. بغيا فارشة الأرض لبغيها..
أو تموت في مهد الولادة.. أو تعمّر حتى بعد موت حاملها..
من ليست له ذكريات.. أو لا تحفظ ذاكرته حادثات الزمن المرئي أو المخفي..
فإن عليه.. أن يبتكرها.. ابتكارا.. حتى تكون له سندا في مغرب العمر.. وملجأ يلجأ إليه حين تقصف في سمعه قاصفات الفراغ.. وتدوّي في رأسه راجمات الخواء وترعبه وحشة الوحدة..
أكثر الذين يكونون في ضحى العمر.. يشقون السماء لتقطر عليهم إشعاعا يحيي جذوة الذكريات..
أما الذين يعيشون مغربه.. فهم يتكأكأون حول بقايا نار منطفئة.. ويتحلقون حول أماسيّ لا أصيل لها..
إذا ملكت الحقيقة.. فأظهر نصفها..
واستبطن النصف الآخر..
اصنع عدوّك
إن لم تسق لك أقدارك.. عدوا.. فاصنعه أنت.. توهمه.. اجعله شبحا يطاردك في صحوك.. ومنامك.. وعلى جنبك الأيمن.. ثم الأيسر.. ومن فوقك.. ومن تحتك..
تخيله.. حدد صفاته.. الصق صورته في بؤبؤ عينك.. لا يغادرك لحظة من نهار أو ليل..
ووزعه في كل المناطق.. وحيثما تحل.. وأينما ارتحلت..
لابد أن يكون لك عدو.. حتى تحس بقيمتك..
حتى.. يكون لك اعتبار أمام من لا يعتبرك..
حتى.. توهم الآخرين بعظمتك.. وأهميتك.. وجلالة قدرك وعظمة مكانتك..
فلولا.. هذا العدو الشرس القاسي الذي لا يخاف الله ولا يرحم عبيده.. لكنت أنت الأول في كل شيء.. في القيمة.. والمقام.. والفهم.. والإدراك.. وعلو الكعب.. والمهابة والمنزلة الرفيعة..
ولكن.. قاتل الله.. هذا العدو..
هو الذي.. حاربك.. وأقصاك.. وحطّ من قدرك.. وسلبك حصانتك.. وعقر بعيرك.. وألجم حصانك.. وهدّ حصونك..
يُصاب الكثير من الناس الضعفاء.. الواهنة نفوسهم المرتجة عقولهم الفاقدين الثقة بذواتهم بمثل هذا المرض، وهو مرض يتلخص باختراع أعداء وهميين لسد نقص في أنفسهم وللتعويض عن الدونية وقلة القيمة وتدني المستوى التي يحس بها المُصاب بهذا المرض.
لذلك فهو يلجأ إلى هذا الاختراع ويصنع لنفسه أعداء وهميين ويتعامل على أساس أنهم أعداء حقيقيون بشخوصهم وأسمائهم ومواقعهم، رغم أن هؤلاء الأشخاص المصنفين على أنهم أعداء لهذا المريض لا يعرفونه ولم يدر اسمه على ألسنتهم قط، ولا يعرفون موقعه في الكرة الأرضية وما إذا كان موجودا على ظهر البسيطة أم أنه لم يولد بعد.
ويتعاظم هذا المرض ليستبد بصاحبه ويوقعه في شراك لا تخلص منها حين يبدأ المصاب به بمحاولة توسيع دائرة العداوة والخصومة لتشمل المقربين منه.. والذين يفترضهم ـ أيضا ـ ضحايا لذلك المرض.. ليبدأ يتلبس دور الفدائي المدافع عن هؤلاء «الضحايا المساكين» القريبين منه والذين لفتهم دائرة العداوة بسبب قربهم منه.
غالبا ما يكون هذا المرض.. مرضا نفسيا مزمنا.. لا يُرجى برؤه.. ولا يُتوقع الشفاء منه.. ويلازم صاحبه حتى الممات، لأنه مرض خطير.. وتكمن خطورته في أن المصاب به.. لا يريد أن يبرأ منه.. وذلك لوقوعه تحت إحساس.. أن برءه وشفاءه من هذا المرض.. يجعلانه يعيش حقيقته ويتعرف على ضحالته وضعفه وقلة إمكاناته وتدني مستواه.. لذلك يلجأ إلى إبقاء هذا المرض.. ولا يحاول التخلص منه، حتى لا ينكشف له واقعه المزري المرير.
المصاب بهذا المرض.. مثل ذي الوجه القبيح الذي لا يريد أن ينصب المرآة.. فتكشف له دمامة وجهه.
حبر في قلم ثرثار
ما من قلم.. مرّ على محبرة.. وانغمس فيها.. وسكب حروفه فوق الورق.. إلا وكتب عن النساء.. فإما أن يلسع ظهورهن بسياط ملتهبات حرّاقات.. أو أن يحيل حبره.. ماء ورد ورشوشا وعطورا يسكبها على أجسادهن.. ويدلّك بها مواقع التوجّع في تلك الأجساد المتعطشة لشفاء عاجل.. من ألم مقيم.
النساء.. لعبة من لا لعبة له
وهدف.. لمن لا هدف له..
ونار يلقى فيها الظامئون..
فإما تحرقهم فيستحيلون رمادا.. وأثرا بعد عين مبصرة..
أو.. تكون عليهم نارا مهفهفة بردا.. ومُدنية سلاما.. سعيرها يذكي أجسادهم بالورود والبخور.. فيتمنون المكوث فيها.
الجمال.. امرأة..
والعذاب.. امرأة..
النار.. امرأة
والجنة.. امرأة
الراحة بين يديها..
والشقاء تحت راحتيها.
هي الحانية.. وهي الجانية..
هي النار المسوّرة بالثلج.. وهي الوردة التي تتعشقها الأمسيات.. وترشف نداها الصباحي.. عيون العشاق..
هي الحلم الذي يتسلل في المنام.. وينسل دون أن يكمل المهمة..
هي خمرة الصباح.. وتفاحة الليل..
آهة النهار.. وشهقة المساء المتسربل ظلاما..
يراها الظمآن فيحسبها ماء.. ويراها المرتوي فيحسبها جحيما..
المرأة.. هي التي تدفع الثمن.. عاشقة أو معشوقة..
إن عَشِقت.. أقاموا عليها حد العشق..
وان عُشِقَت.. أقاموا عليها حد الغواية..
كلما وقعت جريمة بيد رجل.. قالوا: فتش عن المرأة..
ألبسوها الخمار الأسود.. فقال قائلهم:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ولما ألبسوها الخمار الأحمر.. قال قائلهم:
قل للمليحة في الخمار الأحمر
لا تجهري بدمائنا وتستري
حجّبوها.. قتلا لفتنتها..
فبدت.. كالبدر بين غيوم وردية..
وخمّروها.. فبدت شمسا تراكمت عليها الغيوم تسد عينها.. ولكن لم تمنع نورها..
حاروا.. ماذا يفعلون بها.. وبأي حبس يحبسونها.. وبأي سوط يجلدونها.. وبأي قبر يئدونها..
ومازالت الحرب قائمة.. ومازالت المرأة مثلما هي.. تفاحة الجائع.. أو حبرا في قلم ثرثار.
الحقيقة المؤكدة.. هي ما تراه عيناك.. فقط
الحقيقة.. أشلاء مبعثرة
هل ـ حقا ـ ان ما تراه العين.. هو الحقيقة المؤكدة.. كما تقول العبارة العلوية..؟!
ام انها.. محل شك ايضا؟! لأن العين تبصر حسبما يعطيها العقل من اوامر.. وهي في هذه الحالة.. منفذة لرغبات العقل واوامره.. ولا تتحرك مثلما تشتهي هي او تريد..
والعين ايضا خداعة.. قد تبصر ما هو ليس واقعا.. او ما لم يحدث.. قد تلتبس الامور عليها.. وتترجم ما تراه خطأ.. او ما يوحي لها به العقل الذي تخدم في مملكته..
الموقف من الحقيقة.. موقف مرتبك.. ملتبس.. متلون.. متغير.. وقد يكون متناقضا..
كل يرى الحقيقة.. من خلال منظاره هو.. وبما يتطابق ومصلحته.. وما يوصله الى ما يريد..
ثمة اناس.. يتحدثون بحقائق لم يروها بأعينهم.. ولم يعيشوها.. ولم يسمعوها بآذانهم.. ولم تلمسها اياديهم، ويلزمونك بتصديقها ويمنعونك من التشكيك فيها.. وقد تتحول تلك التوهمات.. الى طرائق ملزمة للحياة.. لابد من الالتزام بها..
يستعبدون الخلق.. ويذلونهم باسم الحقيقة المتوهمة..
الحقيقة.. صناعة بشرية خاصة بكل انسان..
وكل انسان يصنع حقيقته.. وليس من حقيقة عامة مسلم بها.. تشمل الناس جميعا..
وكذب الذين قالوا: ان البشرية تبحث عن الحقيقة، وان الفلاسفة والعلماء والحكماء.. في جهد دؤوب ومتواصل.. وفي حالة اعتكاف دائم للتوصل الى الحقيقة.
حتى الفلاسفة والعلماء والحكــــــماء.. وتحت اي عمــــامة كانت رؤوسهم.. انما هم في مهمة «أكل عيش».. يبحثون عن لقمتهم فيما يفعلون.. وليسوا في وارد البحـــث عن حقيقة.
ان البحث عن الحقيقة.. غير مطلوب.. لانه غير مجد..
فماذا لو توصل الناس الى الحقيقة.. هل سيقرون بها جميعا ويسلمون؟!
ام ان كل فريق سيفسرها كما يشاء له هواه.. وتشتهي بغيته.. ويحقق مآربه..؟!
قد تكون الحقيقة.. عدة حقائق.. لا واحدة ولا ألفا.. ولكن هذا الفريق لا يريد الاعتراف بأي من الحقائق التي تعترف بها الفرق الأخرى..
الحقائق.. مثل عيال الأرصفة.. وأولاد الشوارع..
كثيرون ومزعجون..
وكذلك الحقائق.. كثيرة ومزعجة.
والحقيقة.. ليست اخت الحق.. ولا تسبح معه في نهر واحد.. ولا تأكل معه من الرغيف ذاته.. رغم الاشتقاق الواضح في الحروف.. والنحت في الكلمة..
الحق.. شيء واحد واضح.. وكل مكتمل.. بينما الحقيقة اشياء مبعثرة.. وجسد متمزق اشلاء وأشلاء..
فمن يجمع اشلاء الحقيقة.. واشياءها المبعثرة.. ليصرخ في الناس: وجدتها.. وجدتها؟!