-
د.صالح العجيري.. رجل من الأرض ولم يهبط إليها من كوكب آخـــر
-
الشيـخ الثمانيني قــال ما يعسل القلب ويغسله
-
فــي ظــلال دستــورنا «يكوّتــون» الأزمـــــات
أنا العربي..
أنا «العربي»..
أكتب بقلم «أميركي».. على ورق «نمساوي»..
أرسل ما أكتبه بوساطة فاكس «ياباني».. لتطبعه الجريدة بمطبعة «ألمانية».. ويقرأه القارئ.. مستعينا بنظارته الطبية «الإنجليزية».
> > >
أنا العربي..
سيد الدنيا.. وأبو التاريخ.. وصانع الأمجاد.. ومن «تخر له الجبابر ساجدينا»..
الباني.. المانح.. الشهم.. الأبي.. النبيل.. الشجاع..
ناصر المظلوم.. وكافل اليتيم.. ومطعم الجائع.. وكاسي العريان..
> > >
أنا العربي..
بدر في الليل الداجي.. وشمس في ضحى النهار..
أنا البرق.. والرعد.. والمطر..
أنا اخضرار الأرض. وزرقة البحر..
يهابني الحوت في جوف البحر.. ويرتعد الأسد حين يسمع دبيب قدمي..
> > >
أنا العربي..
تخدمني الدنيا كلها..
يبدأ التاريخ.. عند ولادتي.. وينتهي بمماتي..
علّمت الدنيا.. ولم تعلّمني شيئا..
أنا العربي..
إذا غضبت.. زمجر البحر.. وارتعدت السماء.. ومادت الأرض..
احترق الزرع.. وجفت الانهار.. ويبست العظام وترملت..
> > >
أنا العربي..
الفصيح.. اللبيب.. البليغ.. الصدوق.. الخطيب.. المجلجل.. المزلزل.. المدوّي.. المهيب...
سليل الأشاوس.. وابن الأكارم.. وشريف المحتد.. وعالي النسب.
> > >
أنا العربي..
يزرع الآخرون.. لآكل..
وينسجون.. لألبس..
ويصنعون.. لأمتطي ظهورهم.
> > >
أنا العربي..
الكل في خدمتي.. إلا أنا..
نعم..
أنا العربي.
بعض من بكاء الشيخ
الشيخ الذي طعن الثمانين قبل ثمانية أعوام..
والذي حفظت الكويت اسمه.. على حوائطها..
ورتب مواعيدها.. ونظم أوقاتها
حذرها من برد قارس.. وقيظ لهّاب..
دوّى في أرجائها.. مدفع الصيام..
وأقام لها.. صلاة عيدها..
عرف كثبانها.. وما يندس تحت رملها.. وقيعانها.. وهضابها..
وخاوى نجومها الآفلة.. ولامس المنضبطة في سمائها..
وشوش صدفات بحرها.. وأسرّ بأذنها كلمات مسحورة..
> > >
ذلك الشيخ.. اسمه صالح العجيري..
رجل من الأرض.. لم يهبط من كوكب.. ولم تذرُه الرياح إليها..
ما ارتحل إلا إلى مواقع النجوم الشائبة من أزمانها المدهرة..
وما مخر.. إلا عباب بحور الفلك.. بلا فُلك من خشب موشور...
بل بعين مترصدة.. ترنو إلى سماء لا حدود لها..
> > >
الشيخ ذاك.. وذاك الشيخ
صعد خشبة المسرح.. وشق أستارا سوداء كثيفة.. كانت تعيب المشخصين.. بين قوم.. يرون في التعلم كبيرة تحز سمعة المتعلم.. ويئدون البنات فوق الأرض لا تحتها..
البنت ـ في نظرهم، آثمة حتى وإن ثبت العكس.. ورذيلة حتى وإن غسلت بمياه الفضيلة.. عورة.. حتى وإن حُصنت بحجر فرعوني..
من بين أولئك القوم الساكنين جوف الوحشة.. واللائذين ـ على الدوام ـ بالصمت.. العابسين في وجه الشمس.. والغاضين البصر عن قمر الليل.
من بين هؤلاء.. نهض صالح العجيري.. متوسلا علم الفلك.. بغرائبه وأعاجيبه، واحجياته.. وألغازه.. ودنوه من ساحة الكفر.. وحرمة السحر.. وضرب عصاه في قلب الصحراء التي بلا قلب.. وحين يعتكر الليل.. ينبض قلبه.
> > >
لا.. اكتب سيرة الرجل.. العجيري..
ولا تاريخ ذلك الشيخ.. ولا أقص قصته.. ولا أروي روايته.
بل أنا الذي أعمل خادما في محراب الحقيقة.. أظهرها برشرشات من حروفي.. وبتسعير كلماتي نارا حولها.. كي أحميها بهن.. حين تعجز يداي عن بسط الحماية حول سورها العتيق..
إذ.. أنا ذاك.. وكذلك، فلقد وجدت فيما قاله صالح العجيري في حديثه لجريدتنا.. «الأنباء».. يوم الاثنين الماضي.. ما يُعسل القلب ويغسله.
> > >
إنها الحقيقة.. وإنها الدقة في التشخيص..
«الزمن الجميل»: هو الذي عشناه في الكويت قبل الدستور.
هكذا نطق... العجيري.. بالحقيقة.. عارية دون رداء من رياء.. أو تجميل لواقع منحرف يجر البلاد إلى حيث لا ترضى ضمائر العباد.
جاء المتزمتون.. ونصبوا خيمتهم تحت ظلال الدستور.. وفي فيء الديموقراطية.. وقالوا: ها نحن الآمرون.. وأنتم المطيعون..
نحن الأسياد.. وأنتم العبيد..
نبيعكم في سوق النخاسة.. بلا ثمن.. ولا نشيعكم حتى بدمعة يتيمة.
أو نسوقكم.. سوق النعاج إلى كلئها.. وأنتم صاغرون.
> > >
مسموح.. ممنوع.. نعم.. ولا.
فريق يفتح الاشارة الخضراء.. وآخر يوقد أمام عينيه الإشارة الحمراء...
وما تنطوي صفحة.. إلا وتنفتح أخرى..
وما ينتهي منشد من موال.. إلا ويصدح الآخر بمواله..
> > >
وارباب الخيمة المنصوبة في ظلال «دستورنا» يكوتون الازمات.. ويمنحونها تأشيرة التوطين في بلادنا.. حتى يجربوا حناجرهم.. كي لا تصدأ.. وخناجرهم حتى لا تنبو.. الخواصر جاهزة للطعن المتكرر..
> > >
هانت علينا بلادنا فأهنا أنفسنا.. وهانت علينا نفوسنا..
بعنا حريتنا.. وابتعنا الاستعباد.. وفاخرنا بقشيب ألوانه المزركشة..
الذين يحرِّمون الرقص.. ويقيمون المقاصل لأرجل الراقصين..
> > >
حكومة يتيمة
كل يتخاطف عظامها. ويغل يديها.. ويعقر قدميها.. ويربط لسانها..
تتحرك بإشارة من عيون اللئام.. وتبرك بأمرهم..
وتلك الكويت التي كانت بلا دستور.. تختطف جهارا نهارا.. بلا خجل.. ولا ضمير يوخز..
الكويت الصافية.. البيضاء.. السمحة.. قتلوها عمدا..
تركوها في العراء.. لم يواروا جثتها الثرى..
ميتة.. عارية.. لم يقيموا اعتبارا لعورتها الميتة المكشوفة..
تلك بقية من دموع «صالح العجيري» وحرقات في صدره وهو الشيخ الكويتي الطاعن في عمر ما يذهب منه لا يعود..
ليس يطلب مصلحة.. ولا يرش الواقع المرير.. بماء الورد..
لا يجمل البشع.. ولا يزين القبيح..
إنه الضمير الكويتي النقي والشريف..
ولكن هل للضمير من صوت يُسمع.. في بلاد تُصفد ملائكتها.. وتطلق شياطينها؟!