بقدر ما يُبعد أحدُنا نفسه عن ضجيج السفاهة وصخب السفهاء فهو الى الراحة أقرب، يعيش هادئا ويفكر فيما ينفعه وما ينعكس من ذلك النفع على الآخرين.
أنا أفعل ذلك، وأنصح به غيري من الزملاء الكتّاب الاصدقاء وعلى رأسهم الصديق الزميل «محمد الوشيحي» الذي غمرته أمواج الصخب كثيرا، حتى أشفقت ـ ومازلت ـ عليه من الغرق، رغم يقيني أنه سباح ماهر لا يُخشى عليه من الغرق، ولكن ـ واأسفاه ـ ان يضيع شطر من عمره، وكثير من كتاباته في ذلك الضجيج، رافعا رمحه، طاعنا هذا، أو حاملا ثلجا يبلسم جراح ذاك!
فلا المطعون يستحق الطعن ـ لا إشفاقا عليه ـ ولكن تأبيا وتنزها وترفعا، ولا المثلوج يستحق ذلك الثلج المداوي ـ لا كرها ولا بغضا ـ ولكن لأن من يرضى أن يتوحّل في وحل السياسة المحلية، يستحق أن يثخن جسده بالجراح المميتات، وذلك ـ أيها الأكارم ـ أن السياسة المحلية هي عبث وصبينة وسفاهة ـ من ناحية ـ ومن ناحية أخرى هي ترف وزبد وعسل ووجاهة فارغة وطبول جوفاء تُقرع في صحراء لا آذان لها.
مثل هذه السياسة السفيهة بمكوناتها ومعطياتها ونتائجها، يليق بها صغار المخربشين على ورق صحفنا والذين يبحثون عن مئزر يأتزرونه، وعن عين فارغة يلصقون بها أسماءهم، وعن ضجيج يلطمون فيه ويشقون جيوبهم، أو يتراقصون على طبله ومزماره.
وهكذا، فإن الفراغ للفارغين، والفارغون أولياء الفارغين، يعاضدونهم ويؤازرونهم ويمدون لهم أذرعتهم كي يتوسدوها، أو يجعلون من ظهورهم ظهور دوابّ حمالة للفارغين!
وما أنت يا «الوشيحي» من أولئك، فلا فراغ في رأسك ولا عقلك ولا قلمك، فلماذا ثم لماذا تناطح في ساحة الفراغ؟ فتأبَّ ونزّه نفسك عما يفعلون.
تلك أمنية ولا أقول نصيحة، أتمناها على أصدقائي الذين أشفق عليهم من السير في صحراء التيه، أو ما يسمى بـ «سياستنا المحلية» التي لا أرى فيها سوى سفاهة الصغار، وعبث وصبينة ولعب في أوقات الفراغ، وما أكثر الفراغ عندنا.
مثل هذا الواقع الصغير والسفيه له كتّابه، ومنظّروه ممن تعجّ بهم الصحف التي تُهدى ولا تباع ولا تقرأ، ورغم اهدائها فهي مرفوضة، حتى ولو جاءت على شكل هدية!
[email protected]