لقد بلغت من العمر عتيا ولم يتبق منه غير أعوام معدودة (والأعمار بيد الله) ولكن تصديقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أعمار أمتي بين الستين والسبعين» لذا يحق لي أن أقول إن لدي تجربة عاصرت فيها 5 عهود من تاريخ بلادي، وعايشت شعب ما قبل النفط وما بعده، يحق لي أن أبدي رأيي نتيجة هذه التجربة من العمر، إن ما نشهده ونعيشه هذه الأيام لهو كارثة تنخر في جسد وطننا وتفسد حياتنا، فهواؤنا ملوث، وبحرنا ملوث، وأرضنا ملوثة (بحرائق الآبار، وغيرها) غذاؤنا ملوث (لحوم فاسدة وهرمونات وسماد كيماوي) البشر تلوثوا سواء كانوا مواطنين أو وافدين، فقد كان المواطن السيئ أو الوافد الأسوأ شواذ وقلة، فأصبح العكس، تجارتنا تلوثت بالغش والحيل، تجارنا تهجنوا «بالشرق آسيويين» وظهر لنا مسخ تاجر لا ذمة له ولا تهمه الأمانة والسمعة، حتى الزبائن، وعامة الناس نفوسهم تلوثت، كنا نقول: اللهم ارزقهم وارزقنا معهم (أو منهم) أصبح هذا الجيل يضمر في قلبه الحسد قائلا: اللهم افقرهم واخسف بهم «لا حول ولا قوة إلا بالله» وهم يعلمون أن توزيع الأرزاق بيد الله الرزاق، وأن التاجر والزبون والوطن كأضلاع المثلث يكمل بعضهم بعضا.
ولم يسلم كذلك العلم والثقافة من التلوث فالشهادات العلمية الآن تباع وتشترى، ودور العلم أصبحت كالبقالات فقدت مصداقيتها، فأصبحنا بدلا من أن نبحث عن الجامعات الملوثة الشاذة لنتجنبها، أصبحنا نبحث وبصعوبة عن الجامعات الطاهرة لنكتشفها، انظروا إلى وظائفنا وموظفينا كيف تلوثوا؟ بإدخال الفاسدين والمفسدين من الموظفين الجدد بينهم، فإما يفسد الشريف وإما يزاح عن موقعه بمحاربته بوسائل خبيثة، فانتشرت الرشاوى وتعددت مسمياتها (هدايا أو مشاركة).
كذلك ديموقراطيتنا والانتخابات تلوثت بشراء أصوات الناخبين والأعضاء وإفرازاتها من قوانين وتطبيقات، حتى الدين لم يسلم من الملوثين فأصبح الجميع علماء يصدرون الفتاوى، ودعاة يقودون المجتمع، ويشككون في علماء الدين بمجرد أنهم أطالوا اللحى وقصروا الثياب ولبسوا الحجاب والنقاب، وأصبح الدين لديهم وسيلة للوصول لأهدافهم السياسية أو الاجتماعية أو التجارية أو للحصول على الجنسية أو وظيفة. حتى لغتنا ولهجتنا تلوثت بكلمات وجمل ونطق غريب، أما لباسنا وزيّنا الشعبي الجميل فتركوه، وبحثوا عن إفرازات الغرب الماجنة.
لم نكن نسمع بكلمة «مكافحة» إلا للأمراض أو الحشرات والصراصير ثم الجراد، مع أنها مكافحات موسمية أو نادرة، أما الآن فأصبحت المكافحة دائمة تبدأ بأنفسنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) مكافحة التدخين والمخدرات والرشوة والتزوير وتلوث البيئة...الخ.
إن كل ما ذكر من تلوث ليس سببه فيروس أو جرثومة بل الإنسان، أي إنسان؟ الإنسان الفاسد الملوث، فهو كالبعوضة التي تنقل الملاريا للأجسام البشرية، فالقضاء على الملاريا يتم بالقضاء على ناقل المرض أما القضاء على الفساد فهو بإبعاد الإنسان الفاسد والمفسد، فإن كان وافدا فلا يكفي إبعاده بل تمنع عودته (بكفيل آخر مثلا) وان كان مواطنا فمع العقاب يجب الاشهار إعلاميا (وهو أخف ضررا وفضحا من قطع يده حسب الشرع) حتى يخشى الآخرون. لن تعمر الكويت، ولن تتقدم، ولن تصبح مركزا اقتصاديا وتجاريا وعلميا وسياحيا، وموطنا آمنا مطمئنا سخاء رخاء حتى نبدأ اولا بإزالة هذا التلوث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا يصبح بلدي مرتعا وقبلة للملوثين والمفسدين، ولتظهر صورة الكويت الصافية النقية ويتربى أبناؤنا بصفائها ونقائها.
[email protected]