الحب كالقنبلة الذرية حجمها صغير، وفعلها كبير، سيسأل سائل كيف تشبه الحب بالشر؟ الحب إن احتويته واحتواك رفعك لمنزلة الملائكة، وإن خرجت من محتواه ونزعته من قلبك نفاك وألحقك بالشياطين، لذلك يقاس صلاح الإنسان بمقدار ما يحتوي قلبه من الحب «حب لأخيك ما تحبه لنفسك». فمثلما له مقادير، له تعاريف «حب الله، حب الوطن، حب الوالدين...»، فالملحد فاقد لحب الله، والخائن فاقد لحب وطنه، والعاق ناكر وجاحد، لكن حب الله ثم الوطن راسخ ينمو ويزيد، لذلك وجب علينا أن نقول كلمة الحب بصوت عالٍ «كلنا نحبك يا وطن».
وحب الوطن في قلب المواطن يظهر بأقواله وأفعاله ونواياه، ولا يقبل بكلمة سوء تقال عن وطنه في محفل أو مجلس على سبيل الدعابة أو التشفي بقيادي، يجرح بها وطنه فيلتقطها عدو فاسق ويضخمها ويبثها لتصيب قوما بجهالة.
إن الوطن كملاك مرسل يعيش معنا يتظاهر بالنوم ليرى ما نحن فاعلين، فإن كنا نحبه، نحافظ على الهدوء والسكينة ليستريح، ونبعد عنه الذباب والبعوض ودواب الأرض حتى لا يلدغ، ونخفض أصواتنا حرصا على راحته، ونختار المكان والزمان المناسب للتحدث معه وطرح مطالبنا وعتبنا، ونختار الكلمات المهذبة، والجمل اللائقة، لا نستعين إلا بالله، ثم بآياته وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا ما يوصلنا إلى الهدف المنشود بأقرب وقت وبأقل التكاليف، أما إن فعلنا غير ذلك، فإن هذا الملاك المرسل (الوطن) سيغضب ويشتكي إلى الله ويرجو منه أن يستبدل نعمته علينا بنقمة أو يأتي بقوم غيرنا يشكرون الله على نعمه، يحترم صغيرهم كبيرهم ويعطف كبيرهم على صغيرهم، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
إني أرى الآن الجو مكهربا والبيئة خصبة للفتن والدسائس، وشياطين الإنس والجن مستنفرة بوسائلهم المختلفة ونواياهم السيئة، إن آذان وكالات الأنباء صاغية، وعيون الفضائيات شاخصة، وعقول البشر معطلة وعواطفهم متوهجة، فيا أبناء وطني، اكظموا غيظكم واعفوا (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) واحمدوا الله ربكم واشكروا له، هذه الأيام كأننا نعيش بمخزن بارود وعيوننا على سفهاء القوم من أن يشعل أحدهم سيجارة متشدقا بالحرية، فعلى عقلاء القوم أن يمنعوه بقوة خصوصا بهذا الوقت وهذا المكان الحساس، لن نرضى أن نكون نسخة أو صورة من تونس أو الأردن، نحن لنا هويتنا وخصوصيتنا، فنحن أصل ولا نقبل أن نكون نسخة أو صورة من احد، نحن نعتز بتجربتنا الديموقراطية ونفخر بتميزنا، ليس تعاليا على أحد ولكن نمتلك من الخبرة والثقافة الكثير، منها ما ورثناه من شجاعة وصبر في البر والبحر، ومنها ما رأيناه وقرأناه وسمعناه والبعض شاركنا فيه وكنا وقوده وحطبه، إن اعتزازنا بشخصيتنا أبهر العالم عام 1990 حين لم يجد العدو كويتيا واحدا يتعامل معه ويخون وطنه أو حتى يتلفظ بكلمه على أميره (إنه الحب)، هذا التفرد المميز لا نقبل أن يتلوث. منذ 50 عاما أسقط نواب الشعب الحكومة بطريقة دستورية وحضارية وبمجلس الأمة دون مظاهرات ودون أي كلمة، فقط امتنع النواب عن دخول قاعة الجلسة للتأكيد على عدم الموافقة عليها، فسقطت.
أتدرون من كان رئيسها؟ انه ولي العهد آنذاك وحاكم الكويت فيما بعد الأمير صباح السالم الصباح يرحمه الله. أتدرون لماذا لم يوافق عليها؟ لأن غالبيتها تجار، إشفاقا من النواب على تجارنا الشرفاء أن تتلوث تجارتهم بالسياسة ـ وخشية على الفقراء، هذه إحدى تجاربنا التي نعتز بها كما نعتز بدستورنا فلا نشوه سمعته بمظاهرات أو تجمعات يصفها أعداؤنا بتقليد تونس أو الأردن، نحن نربأ بأنفسنا أن نكون ببغاوات نقلد الآخرين، إن اختلفنا بالرأي فالدستور مرجعنا، ومنهجه مسلكنا، وقاعة المجلس ميداننا.
أباسم الدستور نطعن ونشكك بصلاحيته ونحن ندعي حمايته، إن للديموقراطية وجهين فلا يمنع أن نتذوق مرارتها يوما لننعم بحلاوتها أياما.
[email protected]