لن أكتب اليوم «فبناة الأبوام كفوني الكلام عند التحدي» سأنقل لكم فقط ما قيل في مؤتمر جدة 1990 باختصار، حيث يبدو أنهم كانوا يقصدون ما نعيشه اليوم:
٭ كلمة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله: لقد عاش الكويتيون منذ القدم في أجواء الحرية، والتزموا الشورى، ومارسوا الديموقراطية في إطار دستورنا الذي ارتضيناه، وإذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن أمر من الأمور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي، فإنهم يكونون أشد تلاحما وإصرارا وتآزرا في مواجهة الأخطار التي تهددهم.
ولابد لنا أيضا من التركيز على كويت المستقبل التي ستكون بإذن الله أكثر عزة وشموخا واستقرارا وأمنا، لأن ما قدمه الشعب الكويتي من تضحيات في هذه المحنة سيكون ركائز قوية وصلبة لانطلاقة كويتية ثابتة في جميع المجالات نحو مستقبل أفضل تضم فيه الكويت جميع المخلصين والأوفياء والشرفاء الذين صانوها وحافظوا عليها ودافعوا عنها، وسيكون شعب الكويت الأصيل سياجا منيعا يحمي وطنه من عاديات الدهر ومصائبه.
٭ كلمة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد، رحمه الله: إن القيادة السياسية التي كانت دائما هي الأقرب إلى قلب شعبنا والأكثر إحساسا بنبضه، وحقيقة مشاعره ـ لن تتوانى عن التفاعل مع أماني شعبنا والتجاوب مع طموحاته.
إن أهدافنا التي نريد أن نحققها كبيرة وعظيمة. وإن الكويت التي دافع عنها الشعب الكويتي كله، وستقوم الكويت في ظل دستور 1962م بتعزيز الديموقراطية وتعميق المشاركة الشعبية التي كانت ولاتزال هدفا نسعى إليه ونجتهد في تحقيقه. إن هذا الشعب الذي سطر بدمه وكفاحه وصموده البطولي صفحات مشرفة، وضرب بمحض إرادته أمثلة رائعة في الولاء لوطنه والوفاء لأميره والالتفاف حول قيادته ـ لا يمكن أن يجزى على ثقته إلا بمزيد من الثقة وعلى محبته إلا بمزيد من المحبة وعلى وفائه إلا بمزيد من الوفاء و(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
٭ كلمة السيد عبدالعزيز الصقر (أول رئيس لمجلس الأمة) ممثلا عن الشعب الكويتي: في لقاء كهذا، مأساوي الظروف، مستقبلي التطلع، ليس من الحكمة أن نقف على الأطلال رغم فداحة الدمار، ولا أن نذرف الدمع رغم هول المصاب، ولا أن ننثر الملح على الجرح لنغسل بالألم بعض مرارة الندم، فنحن الجيل الذي بنى الكويت وأبناؤه ونحن الذين استطعنا بفضل الله ثم بسواعدنا أن نجعل من الكويت منارة حضارة ومعجزة عمران، ونحن قادرون ـ بإذن الله وبعزيمتنا ـ أن نعيد للكويت الحرة مجدها وبهاءها.
في لقاء كهذا، رسمي الدعوة شعبي الاستجابة ليس الهدف أبدا مبايعة آل صباح ذلك لأن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوما موضع جدل لتؤكد، ولا مجال نقض لتجدد، ولا ارتبطت بموعد لتمدد، بل هي بدأت محبة واتساقا، واستمرت تعاونا واتفاقا، ثم تكرست دستورا وميثاقا، ولقد أثبت الشعب الكويتي، في أصعب الظروف وأشدها خطرا، وفاءه بوعده والتزامه بكامل دستوره وعقده، حين تمسك بشرعيته ووقف وقفة الرجل الواحد وراء أمير البلاد وولي عهده، فسجل بذلك رائعة نادرة في التاريخ، كسب بها احترام العالم، وأجهض من خلالها أحلام الغزاة، بل إني لأؤكد أن الإجماع الشعبي الكويتي في التمسك بالشرعية كان عاملا حاسما في تحقيق الإجماع العالمي غير المسبوق بتأييد الكويت.
لقاؤنا هذا إذن، ليس مهرجان شجب وتنديد ولا هو مظاهرة دعم وتأييد، فهذه أمور تجاوزنا فيها القول إلى العمل وسخرنا فيها لهيب العاطفة لشحذ الفكر والعقل، ووضع المنطلقات الرئيسية لبناء كويت الغد. ومن هذا المفهوم لمبررات هذا اللقاء وهدفه، اسمحوا لي أن أبين ما أعتقد أنه من أهم الثوابت التي ينبغي الالتزام بها في إعادة بناء البيت الكويتي:
٭ أولا: المشاركة الشعبية القائمة على حرية الحوار وأغلبية القرار ورقابة التنفيذ ولا أخالني اليوم بحاجة إلى توضيح مبررات هذا المنطلق الأول والأهم ومقتضياته، وكل ما يجري على ساحتنا الوطنية والعربية يقدم البراهين والشواهد، في التحليل النهائي ـ أحد الإفرازات المأسوية للحكم المطلق الذي لا يقيم للإنسان وزنا ولا يعرف للحرية قيمة.
والفشل العربي يعزى أولا وقبل كل شيء إلى إنكار دور الشعوب والتنكر لمصالحها، وفي الجهة المقابلة أثبتت التجربة الكويتية أن أصحاب الرأي الآخر عندما يلتزمون بأصول العمل السياسي ويعملون بدافع الخدمة العامة والولاء الكامل للوطن وشرعيته الوطنية، ومن منطلق القناعة الفكرية المحررة من كل تبعية فإن هؤلاء لا يمكن أن يقفوا إلا في صف الوطن ودرعا لشرعيتهم وحريتهم.
والمشاركة الشعبية التي ندعو إليها في الكويت لا تحتاج إلى تنظير وتأطير، فهي واضحة المعالم والأسس والمؤسسات في دستور البلاد الذي تفضلتم سموكم بالإشارة إليه، ويمكن أن تؤدي دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون تجاوز وترسم حدود كل طرف من أطرافها دون ازدواجية بمجرد الالتزام الصادق والتطبيق الواعي لدستور عام 1962م بكامل مواده وبنوده، خاصة أن استرشاد هذا الدستور بتجارب الدول الأخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة، فجاء بمثابة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج تنسجم مع مقاسات المجتمع الكويتي وتتفق مع مناخه السياسي والاجتماعي وتلبي احتياجات نموه وتطوره.
والوثيقة الدستورية التي أضحت منذ لحظة تصديقها وإصدارها بمثابة عهد وميثاق بين الشعب وقيادته السياسية قد اكتسبت بالتأكيد تكريسا تاريخيا جديدا بعد أن مهرها شهداء الكويت بدم التضحية والفداء حين تمسك الشعب بالشرعية معربا عن وفائه النبيل بعهده، واحترامه الأصيل لميثاقه.
وإذا كان الدستور الكويتي قد ضمن الحريات السياسية الكاملة للمواطن، فإني أجد من الواجب والمفيد في هذا السياق أن أركز على أن من شأن الصحافة الكويتية الحرة أن تلعب دورا مهما باعتبارها أداة التواصل الصادق بين الشعب والحكم، وإحدى مقتضيات حرية الحوار ورقابة تنفيذ القرار، باعتبارها كلمة الكويت الحرة ورسالتها إلى أحرار العالم.
٭ ثالثا: إن المحنة التي يعيشها المواطن الكويتي اليوم تضعه تحت ضغوط هائلة من الألم والخيبة والمرارة تجعل مطالبته بوضوح الرؤيا وموضوعية التفكير في هذا الصدد مهمة صعبة وليس على المواطن الكويتي في هذا عتب ولا ملامة، فالأزمة من الهول والمفاجأة بحيث يحتار فيها الحليم.
[email protected]