يستقبل عقل الإنسان أحداث الحياة المختلفة، منها المصائب ومنها الغرائب ومنها المتشابه ومنها الطريف ومنها الغثيث، وهو ما يجعل البشر كالسكارى وما هم بسكارى ولكن هول ما يسمعون عظيم.
سحب الجناسي من بعض المواطنين هو حق سيادي للدولة لا ينازعها أحد في ذلك ـ إن كانت على حق ـ فالأب يتبرأ من ابنه، كما برأ الله سبحانه نوح عليه السلام من ابنه بقوله سبحانه وتعالى: (إنه عمل غير صالح).
كذلك يحجر الابن على أبيه إن شذت تصرفاته وساء سلوكه.
إنها إجراءات قاسية لكنها مشروعة، فالإنسان ابن لوطنه، فإذا ساء سلوكه يحق للدولة أن تحجر عليه حتى لا يعم سوء سلوكه على كل المواطنين، وكم ساءتنا تصرفات وسلوك بعض السياح الكويتيين الذين يسبحون في نوافير الشوارع بأوروبا ويدمرون المزروعات والبيئة بسياراتهم، إن بلاءهم عمّ على شعب الكويت بأكمله، وهو ما حدا ببعض الدول الى أن تحذر من الكويتيين بالاسم، لذلك فلسان حال شعب الكويت يطالب بسحب جوازات سفر سفهاء القوم الذين ثبت سوء سلوكهم بالخارج حتى لا يتكرر سوء سلوكهم بدول اخرى، فتتفق علينا كل الدول بإجراءات عقابية أكثر من الفيزا والتأمين.
****
في مصر بعد ثورة يوليو 1952 أصبحت القاهرة محط انظار العالم، فكانت كخلية النحل، وكثرت فيها الارزاق واندفع سكان المحافظات والاقاليم الاخرى نحو القاهرة، فاختل التوازن السكاني مع مرافق الدولة وخدماتها، وأصبحت الشوارع والحدائق مأوى للبعض.
ومن الطرائف أنه يقال- والله أعلم- إن المشير عبدالحكيم عامر نائب الرئيس ووزير الحربية أصدر قرارا بمنع سكان المحافظات الاخرى من النزوح للقاهرة، فأمر الجيش بالتواجد في محطات القطارات، فاتبع ضباط الجيش طريقة لمعرفة مواطني جنوب مصر من غيرهم، وهي نطق كلمة «جردل» فينطقها اهل الجنوب بطريقة مختلفة تكشف عن هويتهم فيتم إرجاعهم لمحافظتهم، فكانت هي الجهاز العفوي لكشف الهوية.
****
في الكويت عند صدور قانون الجنسية 1959 كانت لجان التجنيس تعتبر عملها جهادا وطنيا مشرفا، فبدأت باستقبال المواطنين، وبالطبع كان أعضاء اللجان ممن لهم الخبرة والثقافة والذكاء والفراسة بالاضافة الى القوانين واللوائح والضوابط التي تسير عليها تلك اللجان أولها أن يكون المتقدم يتقن نطق اللغة العربية، فتقدم بعض المقيمين في الكويت من كل القوميات يعتقدون أن الامر سهل، فكانت بعض اللجان تلجأ لكلمة أو جملة لتثبت للمتقدم ان الشروط لا تنطبق عليه، فكان عضو اللجنة يقول لطالب الجنسية الغريب إذا نطقت «ضب ظبي» بطريقة صحيحة فسأعطيك الجنسية حالا، ولأن اللغة العربية لغة الضاد، ولأن نطق حرقي «ظ» و«ض» متقارب جدا فيصعب نطقهما لغير العرب، فكان نطق مثل هذين الحرفين جهازا لكشف الكذب.
****
الآن أصبح التجنيس عملا وظيفيا روتينيا دبت فيه الفوضى، فضاعت هوية الوطن العربية، ثم فجأة عادت الروح، وصحا الضمير، وانتفض العقل.
جزى الله الشدائد كل خير
أبانت لي صديقي من عدوي
وأصدر مجلس الوزراء الموقر قرارا حكيما ينتظره كل مواطن شريف «إن كانوا جادين وليست زوبعة في فنجان»، وهو غربلة ملفات الجنسية وتصفيتها من الشوائب التي اندست بين اوراقها، معتقدين ان الزيت يذوب بالماء، فلولا الاحداث الداخلية والخارجية لما عرفت الدولة نقاط الضعف فيها وما عرفت صدق الولاء من زيف الانتماء.
لقد انقلبت الامور، فقد أصبح الشعب الكويتي الاصيل هو من يكشف فساد التجنيس بالسلاح نفسه وبالطريقة العفوية نفسها التي كان آباؤهم يستخدمونها في اللجان الاولى، من سماع ونطق لبعض الكلمات الغريبة والشاذة، لكن الطامة الكبرى أن المتجنسين حديثا تحدوا الدولة وقوانين التجنيس وتزعموا الفنون وبثوا وفرضوا علينا كلمات شاذة»، متى نشعر بأن الدولة تحافظ على تراثنا وهويتنا ولا تساهم في هدم ما تبقى منه بالتساهل في رقابة نصوص الحوار لما يعرض بالاعلام؟
لقد التقط أبناؤنا تلك الكلمات الشاذة وتداولوها، ولذلك أتمنى على وزارة التربية مساهمتها في بيان ذلك وتكليف مدرسي اللغة العربية بحث الطلبة على عمل بحث ميداني بالكلمات الغريبة المتداولة حتى ينتبه هذا الجيل ويشعر بالغزو الفكري للغتنا العربية.
يا إلهي يا إلهي يا مجيب الدعوات
احمني واحمِ بلادي من شرور الحادثات
واملأ الدنيا سلاماً شاملاً كل الجهات
(من نصوص التعليم في الخمسينيات).
[email protected]