ناصر ذو الرابعة عشرة من العمر استطاع أن يكتشف خطأ استمر عشرات السنين تتداوله مؤسسات الدولة ذات الملايين النقدية والبشرية من مواطنين ووافدين والأجهزة الإلكترونية، طفل لا يفقه بالهندسة المدنية ولا العلوم الإدارية والتنظيمية لكنه يعرف الصح من الخطأ.
جاءني يوما وبيده بطاقة مدنية جعلها خلف ظهره ثم سألني: أتعرف فلان الفلاني؟ قلت: نعم ونعم سابع جار.. فابتسم وقال لي: هل هو ساكن معنا في البيت؟ قلت: بالطبع لا.. أخذ يقلب نظره بسقف الغرفة وكأنه يبحث عن شيء أو سؤال آخر يصيغه بعقله، لكنه يبحث عن مفردات مهذبة لهذا السؤال حتى لا يثير أعصابي، فقال: إني محتار من أصدقك أنت أم الحكومة؟ قلت ماذا تقصد؟ قال: أليس بيتنا في القطعة رقم كذا، وشارعنا رقم كذا، ورقم منزلنا كذا، قلت: نعم هو كذلك. عاد يقلب بصره بزوايا الغرفة لعله يجد ضالته قال: أيمكن أن تكون نفس تلك الأرقام مشتركة لبيتين بنفس المنطقة؟ قلت له: لا يمكن فهذا تخطيط الحكومة والحكومات لا تخطئ، لأن لديها خبراء ومستشارين يهتز لهم البند الأول من ميزانية الدولة، قال: إذا الحكومة لا تخطئ فمن هو المخطئ؟
قالها وكأنه يوحي إلى اتهامي أو اتهام جاري بتضليل الحكومة، فأنهيت الحوار معه وأخذت منه البطاقة المدنية ودققت في بياناتها، وإذا بها صحيحة، ما معنى ذلك؟ هل صديقي خدعني دون علمي وجعل عنوانه على سكني؟ مستحيل لأنه رجل فاضل لا يحب الخداع ولو أراد لطلب مني ذلك، فكتمت هذا الأمر في صدري ولم أخبر به أحدا، احترت، كنت أخشى أن أحرجه لو سألته فترددت كثيرا إلى أن جاء ذلك اليوم ووقفنا صفا واحدا متراصين لصلاة الجمعة وبعد التسليم والسلام قلت له: هل فقدت بطاقتك المدنية؟ قال: نعم وكيف عرفت؟ قلت له: لأن العنوان المدون بها خطأ إنه عنوان بيتي، لذلك من عثر عليها أعطاها لابني، قال: مستحيل العنوان صحيح ونحن نستخدمه من عشرات السنين فذكر العنوان بكل تفاصيله وإذا به مطابق لعنوان بيتنا يا سبحان الله بيتين بنفس المنطقة ونفس القطعة ونفس الشارع ويحملان نفس الرقم إنهما مزدوجان (أين عنهم النائب السابق محمد الجويهل؟).
ما شاء الله طفل يكتشف خطأ مزمنا ومعتقا ويحرج أباه، وجاره، والدولة بحكوماتها المتعاقبة.
[email protected]