اقتضت إرادة الله ـ عز وجل ـ أن يختار إلى جواره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته ـ بعد حياة حافلة بالأعمال التي قضاها في طاعة الله ـ عز وجل ـ وفي خدمة وطنه وفي الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
وفي هذه الساعة الحزينة نبتهل إلى الله ـ عز وجل ـ ان يجزي الراحل الكبير خير الجزاء عما قدمه لدينه ثم لوطنه وان يجعل كل ذلك في موازينه، وان يمن علينا وعلى العرب والمسلمين بالصبر والاجر.
لم أجد كلمات تعبر عما أشعر به من حزن على فراق قائد عظيم جمع كل صفات الخير والخبرة والأخلاق وصفاء النوايا، لن أكتب عن أعماله فهي تنطق بذاتها، ولن أعدد مناقبه فقد ذكرها غيري، لكني بحثت عن شيء ربما لا يعلمه إلا القليل، دليل يدل على حنانه ورقة مشاعره وصدق أطباعه، فقد اطلعت على رسالة بعثها الملك عبدالله «بتاريخ 6/11/2001 عندما كان وليا للعهد» إلى أخيه «وسلفه» الملك فهد بن عبدالعزيز، يرحمهما الله، بمناسبة مرور عشرين عاما على تولي الملك فهد مقاليد الحكم في المملكة، تشعر عند قراءتها بسمو الأخلاق ودفء الحنان الأخوي، واكتشاف أثر دفين غرسه القائد العظيم الملك عبدالعزيز في أبنائه من الحب والعطف والاحترام والتقدير أتمنى أن تسري بدماء الاحفاد.. وهذا نص الرسالة:
«أخي خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله بنصره.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في رسالتي هذه إليكم يا شقيقي وقرة عيني ومليكي تتزاحم جحافل الذاكرة بمناكب الذكريات والصور المتلاحقة والمواقف المؤثرة، وكلما أردت أن أفسح المجال لإحداها اعترضت الأخرى احتجاجا عليها، ولسان حالهم جميعا تداعيات من النبل رأيتكم فيها مرارا أبا، وأخا، وصديقا، وقائدا، هذه الرؤية لم تأت من فراغ، فمؤسس هذه البلاد ومنشئ وحدتها والدنا الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، يبقى رمزا عظيما للملك المؤمن الموحد، ومن عباءته التي تفوح برائحة الخلق والمروءة والكبرياء، وقبل ذلك الولاء لله جل جلاله في السر والعلن، خرج الرجال الكبار من أبنائه فكنتم اليوم يا شقيقي واقعا لرمز تاريخي مؤثر: إذ تفاعلت الأمة السعودية برجالها وشيوخها ونسائها وأطفالها مع حركة التطور والإنجاز، ووحدة الصف والهدف والمصير عمادهم في ذلك عقيدة ثابتة وإرادة صلبة.
فهنيئا لنا بهذا الشعب الكريم الأبي، وهنيئا لهم بمليك أنزلهم قلبه، وما 20 عاما إلا سنون قليلة من عمر الزمن عظيمة في ذاكرة التاريخ.
وسيبقى، بإذن الله، عبدالله بن عبدالعزيز أخوك وصديقك وولي عهدك منه السمع والطاعة، وحب لن ينضب بحول الله وقوته، وولاء لله ثم لوطن وشعب هو هاجسك الأول والأخير بعد الله، هذا والله يرعاك برعايته ويحفظك بحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
من تلك الرسالة الخاصة بين أخوين يستشعر قارئها نبل الأخلاق، وزهدا بالدنيا، والتمسك بالعروة الوثقى، والإخلاص وصدق الولاء.
لقد أعز الله هذه الدولة لأنها أعزت دين الله، وسارت على نهج ثابت يتوارثه خلف عن سلف، وسوف تبقى عزيزة لا يضرها من عاداها مادامت ترفع راية التوحيد وتحكم شرع الله.
* المراجع: من مكتبة دارة الملك عبدالعزيز.
[email protected]