رجال صنعوا دولة، فكانوا هم الشعب وهم حكامه، رجال احتضنوا وطنا قبل أن يحتضنهم، رجال صنعوا أرزاقهم بأيديهم (بتدبير من الله)، ولم يكن لأحد فضل في معيشتهم، عشقوا الحرية بكل معانيها، لم يكتفوا بامتلاكهم أساطيل بحرية لنقل تجارة الآخرين، بل امتلكوا المزارع في تلك البلدان وفتحوا مراكز تجارية فيها ليديروها بأنفسهم بل أصبح لهذه المراكز مكانة وثقل في تلك المجتمعات، فكانت بمنزلة سفارات للكويت، رجال تنافسوا على حمل مسؤولية وطن فتبادلوا الأدوار بعفوية فكانت لهم الغلبة، فرضت عليهم الظروف أن يكونوا سياسيين وديبلوماسيين بالفطرة، لأن أهل الكويت شعب مسلم فكان ميوله للخلافة الإسلامية التي تمثلها الدولة العثمانية، وكان رمز هذه الخلافة هو الهلال والنجمة على كل علم دولة إسلامية، فكان هذا الرمز في العلم الكويتي المرفوع على السفن يسهل أمورها ويعفيها من الجمارك والرسوم في الموانئ الخليجية التي تخضع للدولة العثمانية، وفي عام 1899 أبرمت اتفاقية الحماية بين الشيخ مبارك وبريطانيا ولم يعلن عنها حفاظا على التسهيلات والإعفاءات للسفن الكويتية التي ترفع العلم العثماني في موانئ الخليج.
فقد جرت محاولات عديدة لتغيير العلم لكن تضارب الآراء بين الإنجليز والشيخ مبارك الذي كان همه ألا تتأثر مصالح وأملاك الكويتيين في الخارج بسبب تغيير العلم، ولكن بعد معركة الصريف (1901) بين الشيخ مبارك وابن رشيد شعر الشيخ مبارك بأن العثمانيين كانوا مع خصمه، فكتم ثأره في قلبه وآثر مصلحة الكويت والكويتيين على نفسه واستمر العلم العثماني يرفع على السفن الكويتية إلى أن جاء عام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى (يقول الأخ عادل يوسف المرزوق في مدونته) «عندما دخلت إحدى السفن الكويتية وهي (ملك للسيد حمد عبدالله الصقر) ميناء مدينة بومباي الهندية والتي كانت تحت الحكم البريطاني آنذاك وهي ترفع علم الدولة العثمانية الذي هو في نفس الوقت علم الكويت وكانت الدولة العثمانية في حالة حرب مع بريطانيا تم حجز السفينة واعتقال جميع بحارتها من قبل السلطات البريطانية في بومباي على اعتبار أن السفينة هي لدولة عدو لبريطانيا وترفع علم دولة معادية وفي حالة حرب مع بريطانيا التي كانت تحكم الهند في ذلك الوقت.
فتدخل مرزوق محمد سليمان المرزوق مستندا الى علاقاته الشخصية القوية مع البريطانيين لإطلاق سراح البحارة الكويتيين من السجن في الهند وأبلغ البريطانيين بأن هؤلاء البحارة هم من الكويت والتي تربطها وبريطانيا اتفاقية الحماية التي وقعها الشيخ مبارك الصباح في عام 1899 ووافق البريطانيون على إطلاق سراح البحارة والسفينة شريطة أن يستبدل علم السفينة بأي علم آخر ووافق مرزوق المرزوق على هذا الشرط وأنزل العلم العثماني واستبدله بعلم أحمر آخر كتب هو بنفسه عليه كلمة الكويت، وأطلق سراح البحارة من السجن.
فكتب مرزوق المرزوق رسالة إلى الشيخ مبارك الصباح يعتذر فيها عن هذا التصرف وإنما كان الهدف من هذا العمل هو إطلاق سراح البحارة الكويتيين فقط وليس لأي غرض آخر. هذا العمل لقي قبولا واستحسانا من قبل الشيخ مبارك الصباح ووجد في هذا التصرف التحرر (الشعبي) والرسمي للكويت من الولاية الاسمية للدولة العثمانية وأمر بأن يرفع العلم الذي وضعه مرزوق المرزوق فوق قصره الذي هو مقر للحكم في الكويت وأن يصبح هذا العلم هو علم الكويت الرسمي وظل هذا العلم هو علم الكويت الرسمي منذ عام 1914 حتى عام 1961 حين استبدل بالعلم الحالي مع إلغاء اتفاقية الحماية مع بريطانية.
المرحوم (مرزوق محمد سليمان المرزوق) بقي طيلة حياته في الهند يزاول عمله هناك ولم يعد إلى الكويت أبدا وتوفي في مدينة بومباي ودفن فيها».
عندما نقول إن «الكويت غير» لا نبالغ ولا نزايد على أحد في حبه لوطنه، ولكن نملك من الأدلة ما يثبت هذا الاختلاف، فعدا أن كل حضارات الدنيا، وكل الشعوب كانت لهم أوطان فيها من الحياة ما يجذب الإنسان والحيوان للالتصاق بها (من أنهار وزروع ومناخ) والعيش في ربوعها برفاهية، فاختيارهم منطقي فأرضهم كالمغناطيس جذبتهم، لكني أرى في وطني الكويت «غير ذلك» فوطني كان لا يملك سببا للحياة فيه ولكن ـ هنا الاختلاف ـ فالكويتي كان هو المغناطيس وهو من التصق بالأرض الطاردة للحياة وهو من صنع مقومات الحياة ودعا ربه (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) ثم رجا ربه (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).
والدليل الآخر على أن «الكويت غير» هو في اختيار القيادة، فقد سعى مسند الإمارة لمن هو كفء (في ذلك الزمان) ولم يتصارع على المنصب اثنان أو يغتصب بالقوة، فقد زكى شعب الكويت الشيخ صباح الأول للقيادة بأمر شعبي، وكانت ديموقراطية عفوية نابعة من قلب محب ومخلص، لذا وجد من هو مجد ومخلص.
دليل آخر لهذا الوطن وشعبه بأنه «مختلف وغير» وطن يتعرض لاحتلال وغزو ولم يشذ فيه مواطن واحد فقط ليخون أو يتعاون مع المحتل رغم إغراءات المحتل، ورغم اختلافاتنا مع بعضنا في الآراء.
ما أروعك يا وطن، وما أروعك يا شعب هذا الوطن إذ كنتم خير خلف لخير سلف.