من الطبيعي ان كل منا يحب وطنه، ولكن من منا وطنه يحبه؟ من منا قال له وطنه: شكرا؟ يعتقد البعض أن الوطن (والوطنية) ما هما الا ثوب يلبسه، أو لهجة يتقنها، أو ورقة يقتنيها، تثبت انتماءه وولاءه لوطنه.
لا يا سادة.. الوطن رغم أنه تراب أغلى من الروح، وبحر تذوب فيه الروح، وسماء تسمو وتهيم فيه الروح، إلا انه له قلب وعقل ولسان، ودم يجري في عروق الانسان، ويد تمتد حين يجور الزمان، الوطن ان كان صخورا وترابا ومواد محسوسة، فإن له روحا معنوية محسوسة، وشوقا ينازع النفس ويجذب البدن إليه عند الفراق، وطاقة تتولد في الجسد عند السباق، حين تشعر ان الوطن ينخاك «نخوة وطن» لا تدري من أين تأتيك القوة.
إنها القوة المدفونة في أعماق الروح والجسد، لا هي هرمون يفرز من غدد، ولا هي شراب من رحيق الزهر والورد.. إنه الوطن نحبه نعم.. ولكن هل هو يحبنا؟ وكيف نعرف أنه يبادلنا الشعور؟ انه كالأم يحبنا رغم قسوتنا، يعطينا رغم جحودنا، ينمي عظامنا ونحن نقطع اوصاله، ونسرق أمواله، ونعبث بأركانه، معتقدين انه جماد.. أرض وسماء فقط لا والي له ولا رقيب (قل من رب السماوات والأرض قل الله) مثلما أن الله سبحانه (رب الناس ملك الناس إله الناس)، فهو رب الأوطان وما أقلت، والسماء وما أظلت، فلنتذكر قوله: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون).
لله درك يا وطني، نعمة محمودة عند الاخيار، وثروة مسلوبة عند الاشرار، الذين لا يؤمنون بيوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
متى وكيف يقول لك وطنك: شكرا؟ الجواب بكلمة هي «الإحسان» الاحسان الى وطنك بالقول والعمل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) عندما تحسن إلى وطنك وانت مخلص لا تظن ان هذا الاحسان سيذهب جفاء، فعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ولله المثل الاعلى، فحين تخلص في عملك، فوطنك يشعر بك، وسيكافئك ولو بعد حين، فالتاريخ مليء بالامثلة كغاندي ومانديلا وغيرهما رفعا اوطانهم فرفعتهم اوطانهم، وهذا أمير الديموقراطية والنهضة الشيخ عبدالله السالم، اسم خلده تاريخ وطنه بإخلاصه لوطنه وشعبه، وهناك مواطنون عملوا كما يعمل الآخرون ولكن اخلاصهم طغى وبرز (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).
أخلصوا واجتهدوا حبا بوطنهم لم يتوقعوا أن وطنهم له عينان ولسانا وشفتان، وما شهدته الايام الماضية من تكريم أبطالنا الاولمبيين الذين شاركوا في الدورة الاولمبية «ريو 2016» ومنهم من حصل على الذهب والبرونز ومنهم من ينتظر، ومنهم الرامي عبدالله الرشيدي الذي طأطأ رأسه حين لم يرفع علم بلاده في سارية التتويج بسبب حرمان اللجنة الأولمبية الكويتية من المشاركة، ولا ننسى شرطي المرور محمد بلال ذلك الانسان البسيط الذي لا ترى على اكتافة النجوم والتيجان والسيوف بل يحمل في قلبه حب وطنه من خلال اخلاصه في عمله، حتى الصغار أحسوا بإخلاصه قبل الكبار فأصبح مثالا للإخلاص.
إن تكريم صاحب السمو الامير للأبطال وإهداءهم أوسمة الدولة، وتكريم الشعب الكويتي لهؤلاء الابطال من خلال استقبالهم في المطار والهدايا لدليل على انسجام الشعب مع القيادة في قرار التكريم وهذه هي «كلمة الوطن» نطق بها القائد والحكومة والشعب: شكرا.
[email protected]