الحمد لله الذي خلقني ثم سيّرني وخيّرني، وأنزل لي منهجا ودستورا، قرآنا عربيا مبينا، ومن آياته قوله سبحانه على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين).. آمنت بالله قولا وعملا، نحن المتقاعدين «بالذات»، الذين ربما نكون آخر جيل المخضرمين، والخط الفاصل بين ما قبل وبعد النفط، ونحن آخر جيل ولد في فرجان «چبلة» أو «شرق» أو «المرقاب» أو بين مزارع الجهراء وأبوحليفة والمنقف والفحيحيل.. جيلنا ربما منهم من ركب البحر غوصا أو سفرا أو صيدا، هذا الجيل الذي تربّى على أيدي رجال كان الوطن ينتظر عودتهم، كما تنتظر أفراخ الطيور في أعشاشها عودة أمهاتها آخر النهار، جيل بدأ حياته كما عاش آباؤهم على العلاج بالحجامة والكي، ومجبِّر العظام، وأدوية «الزموتة»، «المرة»، «الحلتيت» وأخيرا «إبرة الخطيب».
والحقيقة إنها ليست الإبرة، بل شخصية الخطيب نفسها التي تبشرك بالصحة والعافية (ليست صحة الحكومة ولا عافية المغاربة)، نحن جيل يقول لكم: كثر الله خيركم لا نريد منكم تأمينا ولا شكورا، نحن آخر من يفكر بالذهاب الى الطبيب، ولو لا إصرار أبنائنا وأحفادنا ما ذهبنا.. نصبر على الوجع ونكتم الآه.
كانت مهنة التطبيب والتداوي عبادة وتقربا الى الله، والدواء زكاة، أما اليوم فأرواحنا وصحة أجسادنا تجارة يتكسب منها التجار، ومنّة تمن بها الحكومة على الناس، وحق يعطى لمستحقه، وكأنه فضل من النائب.
في الماضي، نختار المداوي الجيد ونسعى إليه ولو كان في الدبدبة أو فيلكا، واليوم المرض يأتيك من كل حدب وصوب.
أما علاجه، فعلى مزاج وزارة الصحة، وحسب النظام الإداري، وفي الموعد الذي تفرضه بالشهور أو حتى بعد الموت، أليس المتقاعدون هم كبار السن، أو كما وصفهم الله بـ «أرذل العمر»؟! هذه الصفة التي تحمل في طياتها معاني كثيرة، أقلها النسيان وضعف الذاكرة والبدن، يقول تعالى: (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير).
فعندما ينسى كبير السن يوم المراجعة (كل ثلاثة أشهر) وكأنه اقترف ذنبا (الله سبحانه يغفر، والطبيبة لا تغفر النسيان، فتعاقبه بأخذ موعد آخر، بعد فاصل من اللوم والسخرية نالها كبير السن من طبيبة بعمر ابنته) هذا ما حدث فعلا!
كم كنا نتمنى أن يكون الأطباء كبارا بالسن ذوي خبرة في الحياة ويقدرون ويحترمون أمثالهم.
إنني أناشد سمو رئيس مجلس الوزراء بإنشاء مستشفى خاص لكبار السن، وليكن (مستشفى التأمينات الاجتماعية للمتقاعدين)، لما يلاقيه كبار السن من عناء وتعب عند الذهاب للمستوصف أو المستشفى، من انتظار قاتل ومزاحمة وعدم الاهتمام بظروف كبار السن النفسية والفسيولوجية وحتى مواعيد الصلاة.
إن الأمم الراقية تقاس بما تقدمه من رعاية واهتمام لكبار السن، كعرفان وشكر على ما قدموه للوطن في زهرة شبابهم.
كانت وزارة الصحة قد أصدرت هوية خاصة لكبار السن، لكنها ولدت ميتة، لا تنفع ولا تضر ولا تحترم، لأنه لا توجد مراقبة ومحاسبة، ولا حتى موظف يتلقى الشكاوى في حينها، لا تنتظروا من كبار السن أن يشتكوا الوزارة.
وأخيرا أقول لكبار السن، كما قال الشاعر خليل مطران:
فسد التوسل في البلد.. هيهات يصدق مَن وعد
ترجو وتلحف سائلا.. أما المجيب فلا أحد
[email protected]