الولايات المتحدة الأميركية من الدول التي نشأت حديثا نسبيا، ونظرا لأنها بلد نشأ ونما نتيجة هجرات نخبة من شعوب العالم فغرسوا نبتهم في تراب تلك القارة الخصبة، وامتازوا بأن سقوا نباتهم من ماء الحرية والعلم والأدب، وغذوه بفيتامينات الإخلاص، والوفاء، والأمانة، وحموه من اشعة التعصب، والكراهية، وقلموا وقصوا الاغصان الميتة، والهزيلة، فكانت الولايات المتحدة الأميركية التي عرفناها في الستينيات وما قبل، بلد من لا بلد له، وأرض الأمن والامل، والطموح اذا اكتمل، بلدا يضرب به المثل بالحكمة والتعقل، والنظام المرتب، بلدا حمل اسرار العالم ومفاتيحه، بلدا ذهبت اليه شعلة الحرية، وطبقت فيه الديموقراطية، بلدا سياسة الحكم فيه كسكة القطار ثابتة على الارض، لا يهم من يقود القطار، السياسة واحدة والقادة متعددون، مجالس القيادات لا يصلها الا حكيم ذو خبرة، ولديه سعة افق، هذا ما كنا نعرفه عن الولايات المتحدة الأميركية، ولكن اليوم بدأت الصورة تهتز، وبدأت الحقائق تنقلب، ماذا أصاب هذه الزهرة اليانعة؟ الارض هي الارض، ونظام الحكم هو نظام الحكم والاحزاب هي نفسها، إذن هو ذلك المتغير، المتقلب، إنه الإنسان كما وصفه ربنا سبحانه: (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا).
إن الانسان الأميركي، يخرج منه الرئيس، والشيخ، والسيناتور، والنائب، يجمعهم مجالس الشيوخ والنواب، فهل كان شيوخ الماضي أكثر بصرا وبصيرة؟ هل كان نواب الأمس أكثر فهما وعلما وثقافة؟ هل رجال الامس أكثر وطنية وحبا ووفاء لوطنهم من اليوم؟ إن سياسة الولايات المتحدة كانت مثالا للدول، تحفظ الود، وتصون العهد، وتقدر شيخوخة العلاقات الطيبة.
كل القوانين والشرائع لا تعاقب الأسرة والمجتمع نتيجة جرم ارتكبه ابن ضال وهارب، ولا تتحمل عواقب إجرامه.
ان افرازات وفرث البقرة لا تفسد لبنها، وطعم العسل الحلو لا تغيره لسعة النحلة، ننظر الى الورد ونشم عطره، ولا نهتم بأشواكه، هكذا يجب أن تكون سياسة العم سام لا أن يقتل كل البقر بسبب روثه فيحرم من لبنه، ويقتل النحل فينسى طعم العسل، ويقتلع كل الورود، فيقتل الرومانسية وعطر الصباح والمساء، فيصبحوا على ما فعلوا نادمين.
كلمة الى كل أميركي حول الموافقة على قانون «جاستا»: نعم نحترم رأي أغلبية الأعضاء في المجلسين (المنتهية عضويتهم قريبا ويبحثون عن أصوات) ولكن لدينا قناعة تامة انها ليست اغلبية افراد الشعب الأميركي، هذا القانون حطم قيما راسخة في عقول شعوب العالم اجمع بأن الولايات المتحدة الأميركية، التي تحترم وتقدر حلفاءها وأصدقاءها، وكلما طال عمر الصداقة ازدادت قوة وصمودا، لا تهزها رياح المواسم، إن هذا القانون سيفتح أبوابا مغلقة ومنسية لكل شعوب العالم، وليس في مصلحة أميركا، وسيقلب موازين وقناعات عن «الصديق الأميركي» وسيحطم قيم ومبادئ «حفظ الامانة» فالولايات المتحدة بعد هذا القانون أصبحت بموضع شك بأمانتها للأموال، وغيرها.
إن ابتداع الحيل، والبحث عن ثغرات في القوانين، لا يعطي مبررا لخيانة الأمانات، المادية والمعنوية (من خلال ويكيليكس) لكننا نأمل أن تكون زوبعة في فنجان، وهرج ومرج فترة الانتخابات، وثقوا بان ترويع رؤوس الاموال والأنفس علاجه يطول، فالهدم ساعة، والبناء مليون ساعة، والعودة للأصل فضيلة وأخيرا أذكر الاميركان بهذا المثل: «من فات قديمه تاه».