أحيانا، يستذكر الإنسان بعض الأحداث الماضية، فيراها كشريط سينمائي توثيقي، ربما يستنتج منها بعض العبر، وأحيانا، يستشعر نوايا أبطالها، وأهدافهم، فلو عدنا بالزمن للوراء، حين عقدت جلسة مجلس الأمة، لمناقشة تزكية مجلس الوزراء لسمو الأمير، لتولي مسند الإمارة، وقبول نواب الشعب المطلق لهذه التزكية، والفرحة العارمة، كانت لحظات سعيدة، أعادت ذكرى المبايعة الأولى، بين صباح الأول والشعب، منذ ثلاثة قرون، بينما هذه البيعة المشابهة بين صباح الثالث سمو الأمير الحالي، ونواب الشعب، في مجلس الأمة وبطريقة ديموقراطية، ولا يخفى على أحد انه مرت دقائق حرجة على هذه الجلسة، وسجلها التاريخ، والإعلام، لحظة بلحظة، ولا يمكن إنكارها، أستعيدها الآن، لربما وقائعها تفسر أحداث اليوم، كان الجميع في تلك الجلسة التاريخية في حالة ترقب، وقلق، والسبب هو حدث فريد، لأول مرة بجزيرة العرب يصوت نواب الشعب، وتحت قبة البرلمان، لاختيار أمير للشعب، وقائد لمسيرة الوطن، بأسلوب ديموقراطي حضاري، ممزوج بعطر التراث، كانت العيون شاخصة، والزمن بطيئا، وكانت المروءة والشهامة والإيثار، ككرة المضرب، تتنقل بين نواب الشعب، وأسرة الحكم، وبرز بعض الأشخاص، بنشاط «مميز» وواضح، أحدهم من الأسرة، والآخر من المجلس (ولا يعلم إلا الله ما في صدورهما) فالأول سعى جاهدا ليفوز بحمل «الشعلة» وهو صك التنازل عن مسند الإمارة من الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله، ليقدمها أولا بكل الامتنان لأمير المستقبل، ثم للمجلس، أما الشخص الآخر (النائب) فكان يفضل ويؤثر أسرة الحكم على نفسه وزملائه، وكأنه يقول للأسرة: نحن نحترم، ونقدر قراركم.. قراركم هو قرارنا، لا تحرجونا.. والله أعلم بما في الصدور.
كان هذا الجو العائلي والإيثار، وإنكار الذات، والمروءة نسمات يتنفسها كل من كان بقاعة البرلمان،، يا لها من ذكريات جميلة في حينها، ويشاء الله سبحانه أن تلتقي الرغبتان (رغبة أسرة الحكم مع رغبة الشعب) بنفس اللحظة، وبتلك اللحظة يتسلم رئيس مجلس الأمة بيده كتاب التنازل، ويتسلم باليد الأخرى نتيجة تصويت الأعضاء، بالموافقة المطلقة على تزكية مجلس الوزراء لسمو الشيخ صباح الأحمد، واختياره لحمل مسؤولية مسند الإمارة، ليصبح سموه أميرا للكويت، فتحققت الرغبات الثلاث (رغبة مجلس الوزراء، مع الرغبة السامية لرئيس الأسرة سمو الأمير الوالد بتنازله، وتأييد ومصادقة نواب الشعب، بالتصويت الديموقراطي).
هذا ما تميز به الحاكم الخامس عشر، صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عن غيره، حيث شارك الجميع في تزكيته واختياره، ولا فضل لأحد على الآخر ولله الحمد والمنة، يبقى أن أشكر الشخصين اللذين اجتهدا أكثر، وبكل قوة، في تلك الجلسة التاريخية، بنتائجها وأحداثها، وكم كنت أتمنى أن أقرأ ما في قلبيهما في تلك اللحظات، من طموح، وإخلاص، ووطنية، وأتمنى أكثر أن أقرأ، ما في عقليهما اليوم، وما تحقق لهما، من أماني، وطموح لهذا الوطن الغالي، حفظ الله الكويت، وأميرها، وشعبها، من شر حاسد، إذا حسد.
[email protected]