كثرت الأقاويل والقصص عن التأمين الصحي «عافية» الذي أعطي للمتقاعدين - وهم كبار السن من الجنسين - أي لمن لم يتبق من حياته قدر ما مضى - ويستعد للرحيل..
في هذا العمر الحرج يكون المتقاعد أقرب الى الله من ذي قبل، وأكثر خوفا وحساسية للحلال والحرام، أو من أي شبهة حرام يضيع بها عمله الصالح وطهارة بدنه وأمواله التي حافظ على نقائها عشرات السنين، إن الشبهات تحوم حول هذا التأمين الذي ضحيته المتقاعد، فهو «السبب والمتسبب».
«عافية» فكرة ذكية، استفاد منها صاحب الفكرة، ومنفذها، ثم بعض المستشفيات، وبعض العيادات وبعض المختبرات وبعض الصيدليات، إن من يحمل بطاقة «عافية» أصبح كالفريسة الطازجة تتخطفها الوحوش المفترسة، والطيور الجارحة، لتنهش من جسدها دنانير المال العام الذي نحمله في جيوبنا، إن كل متقاعد يحمل في جيبه 17 ألفا من الدنانير، (رصيد المواطن العلاجي) نسرفها إسرافا رغما وغصبا عنا، لا حيلة لنا بالاعتراض، أو التقشف، فكما يطلب الطبيب المعالج فنحن له طائعون، طلباتهم أوامر (كل انواع الأشعة، كل ماركات الأدوية والفيتامينات، عمليات جراحية لا حاجة لنا بها، تحت مسمى علاجي آخر..الخ.
وكأن الفساد انتقل من سوق مستشفيات «العلاج بالخارج» الى هذه البطاقة الصغيرة «عافية» عافانا الله من شرورها، إنها «كتفاحة آدم» عندما غوى إبليس آدم بأكلها رغم أنه في نعيم الجنة، ورغم ان الله حذره من هذه الشجرة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36))صدق الله العظيم
إذا كانت شــجرة في الجنة سببا في أول معصية لله من ابيــنا آدم، فلا تكن «عافية» الدنيا آخرها، إن إغــراءات بطاقة «عافية» قوية ولذيذة، لكن إرضاء الله وطاعته غاية كل مؤمن.
المغاربة لا يتقبلون أن يقال لهم: الله يعطيك الصحة و«الــعافية»، لأنها كالنكتة المــصرية: «ربنا يديك الصحة وياخدها منك تاني».
ولا يغرنكم قول: «اللي ببلاش كتر منه».
يقول لي صديق: حين أقرأ فواتير علاج «عافية» التي تخصم من رصيد علاجي ومن أموال الدولة أشعر بأنني مساهم معهم في الجريمة، لكنني أحمّل أهل الذكر علماء الدين ومسؤولي الإفتاء وكل ذي علم بالشريعة هذا الأمر فإما يحملوا أوزارنا وإما يبرأوا ذمتهم بفتوى تدلنا على الحقيقة، سؤالنا محدد: هل هذا الأمر وطريقة تنفيذه فيه شبهة أو سيلة للحرام؟ لا نريد «عافية» مشبوهة، ولا تفرحنا المجانية.
اللهم انك قلت وقولك حق: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
[email protected]