كم تمنيت أن أقبل رأس سمو أميرنا المفدى وأقول له:
شكرا على مشاركة سموكم في قمة العزم بشخصكم الكريم وبخطاب سموكم الجزل الصريح، فرغم عناء السفر كفيت ووفيت لأجل الكويت.
كذلك كم تمنيت أن أقبل رأس جلالة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على هذا الإنجاز العظيم الذي سيخلده التاريخ كدرس من دروس السياسة والاقتصاد وعلم القيادة.
إن سياسة المملكة العربية السعودية خلفها فريق من العباقرة بقيادة جلالة الملك سلمان.
لا أدري من أين أبدأ! هل من بداية حُسن اختيار جلالته لولي العهد وولي ولي العهد بما يناسب العصر وعنفوان الشباب؟ أم أبدأ من اتخاذ قرار تشكيل التحالف العربي لنصرة الشرعية في اليمن وحماية حدود أرض الحرمين الشريفين الجنوبية من «أبرهة هذا الزمان»، كيف تم بهذه السرية التامة والترتيب العجيب، وساعة الصفر الدقيقة التي شهد لها العدو قبل الصديق؟، أم أبدأ من سياسة الاحتواء التي انتهجتها المملكة بهدوء تام، فكلنا سمع بتصريحات الرئيس دونالد ترامب في حملاته الانتخابية حول اتهام المسلمين بالإرهاب ومنع العرب والمسلمين من دخول أميركا، كذلك مطالبته بمبالغ مالية (إتاوة) نظير حماية دول الخليج، عدا عدم إلمامه بمشاكل الشرق الأوسط ولديه فكرة مغايرة عن الواقع، لدرجة أن كل المسلمين والعرب كانوا لا يتمنون نجاحه، لكن ما أن تسلم الرئيس ترامب السلطة حتى بدأت سياسة السعودية تعمل وفق منهج دستورها (القرآن الكريم)، كما في الآية: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم...)، فبدأت وفود السعودية للولايات المتحدة تتوالى على أعلى المستويات، «وكلنا يعلم أن سياسة الولايات المتحدة تديرها مؤسسات ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص»، لكن كسب الصداقات مقدم على العداوات، ولا بد للحقائق أن تعرف، فإن جاء الحق زهق الباطل، لذلك عملت السياسة السعودية «بدستورها القرآني» بقول الله عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، فنجحت بالاحتواء وتغيير الصورة لدى الرئيس، وما خطاب الرئيس ترامب في هذه القمة إلا دليل على ذلك.
ليس هذا فحسب، بل كيف تطفئ السعودية النيران التي أشعلها الرئيس ترامب في عقول الأميركان، حين وصم المسلمين بالإرهابيين، وسمح لشعبه بمقاضاة دول المسلمين، ولمّح بمطالبته بأموال دول الخليج، فما كان لخادم الحرمين إلا أن وضع منهجا دقيقا يعالج به كل ما خلفته الحملات الانتخابية الأميركية، فدعا الرئيس ترامب الى زيارة السعودية، وربما حرص جلالته على أن تكون بلاد الحرمين الشريفين أول زيارة خارجية لترامب، احتراما وتقديرا للمسلمين و«تحسين الصورة»، وحتى يثبت جلالة الملك سلمان قوة السعودية المعنوية استطاع أن يجمع رؤساء 55 دولة عربية وإسلامية آسيوية وأفريقية كدليل على أن للملكة مكانة عالية وتملك قوة كامنة تظهر عند الحاجة، بهذا التكتيك الذي حدده جلالته باستقطاع وقت من رؤساء الدول الإسلامية للتواجد في السعودية بوقت واحد، دليل على أن للمملكة قدرة على إنشاء وقيادة تحالف سياسي أو اقتصادي بأي وقت تشاء «مثلما التحالف العسكري».
في هذه القمة، صرح الرؤساء المسلمون، على اختلاف دولهم وأنظمتهم، بأنهم بريئون من الإرهاب وأنهم أول من اكتووا به وأنهم اشد حرصا على محاربته، وحددوا منبعه ومن يموله، واتضحت الصورة للرئيس ترامب، فبادرت السعودية بإنشاء مركز الاعتدال لمحاربة الفكر الضال وسيكون مقره الرياض.
وحتى يكتمل المنهج السعودي المقرر لـ«الاحتواء» سيعود الرئيس ترامب الى وطنه محملا بمشاريع مليارية ضخمة، اقتصادية وصناعية تخدم السعودية وأميركا معا، وتعود بالنفع على البلدين «دون أن تذهب هباء كما كان يتوقع البعض»، لقد حركت أميركا السياسة لمكاسب اقتصادية، في المقابل استفادت السعودية من الاقتصاد لمكاسب سياسية وصناعية ومعنوية.. «حط فلوسك بالشمس، واقعد بالظل» مثل شعبي.
لله درك يا مملكة العروبة والإسلام، وأطال الله عمرك يا خادم الحرمين الشريفين.
[email protected]