القيادة والحكمة نعمتان يهبهما الله لمن يشاء سبحانه، فالشهيد رفيق الحريري وهبه الله تلك الصفات، رجل عصامي، خرج من بساتين صيدا ليعمل بالسعودية مدرسا كافح وتعب فجنى ثمار تعبه، شخصيته القيادية أوصلته لرئاسة حكومة لبنان، بل أصبح أبا وزعيما لكل أطياف الشعب، تبرع ببناء المساجد والكنائس.. أحبه الله فحبب خلقه فيه، لكن خصومه أرعبهم نجاحه فاغتالوه، فزاده الله رفعة فأصبح رمزا وطنيا، ومن منطلق ان الشعب لا ينسى قائده المخلص، وتكريما له وغيظا بقاتله، نادوا بابنه سعد الحريري وأقحموه عالم السياسة، رغم أن مجاله المال والاقتصاد، وشتان ما بين المجالين، فالتجارة سماتها الصدق والامانة والسماحة «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى» أما السياسة فنقيض ذلك تماما، فمنهجها المراوغة، واللعب على المتناقضات، وكسب ما تستطيع ولو بغير حق.
قلنا في مقال سابق كيف أن الرئيس «المتريث» سعد الحريري تسامح (بسلوك التجار) مع خصومه (حزب الله) الذين يتعاملون بمنهج السياسة فاستطاعت السياسة أن توسوس وتغوي التجارة وتخرج الحريري من عرينه (تحالف 14 آذار) لساعات معدودة ليصوت مع خصومه ضد رفاقه، وكانت هي «خطيئته الاولى» التي قصمت ظهر رفاقه في التحالف وتيار المستقبل، ولما شعر بهول المصيبة، وان حياته في خطر، لاعتقاد خصومه بأن دوره قد انتهى بتصويته، لجأ الى الحضن الذي احتضن والده من قبل، ليشعر بالامن والامان ويكون حر القرار، فطلق المنصب (طلقة اولى) وأعلن استقالته، ولأن السعودية الام الحنون، الصابرة، نالت من خصوم الحريري ما نالت من تجريح وتشهير بتهم كاذبة، وتهديد بشكوى للامم المتحدة، بدعوة ان رئيس الوزراء الحريري محتجز بالسعودية وأرغم على الاستقالة، رغم انه نفى ذلك وسافر للإمارات وفرنسا والقاهرة وقبرص، ولم يغير رأيه وحين وصل بيروت (اشتغل الوسواس الخناس) «فتريث» الحريري.. «التريث» مصطلح غريب على السياسة ومركز القرار، فإما الاستقالة وإما العدول عنها، فلو حدث أمر جلل، فما التبرير القانوني؟ كنت متريثا. إن هذا التريث هو «الخطيئة الثانية».
لقد أعان الحريري خصومه ضد السعودية باستخدامه هذا «التريث»، فجعلوا تراجعه إثباتا على ما ادعوه بأنه محتجز بالسعودية وانه عندما وصل بيروت عدل عن الاستقالة. سيادة الرئيس لا تعتقد بأن خصمك حمل وديع، فقد زرعوا اسفين بينك وبين رفاقك، والآن زرعوا اسفينا آخر بينك وبين اشقائك في السعودية والخليج، يا ليتك كنت اكثر حنكة، فاصررت على استقالتك، ومن ثم يعاد تكليفك برئاسة وزارة جديدة (ان كانوا صادقين بالتمسك بك) وبذلك يشعر العالم اجمع بـ:
1 ـ انك انت من قرر الاستقالة حتى اتممتها وانك أنت من قرر العودة بشروطك، لا بعودة باهتة، للعلم مصلحة لبنان هدف الجميع في كل زمان ومكان، اين هي قبل التصويت؟
2 ـ حتى تشعر بأن المصالح متبادلة، وان المعروف لا يضيع «ومكانتك في قلوبهم».
3 ـ ان اصرارك على قبول الاستقالة وبعدها تكليفك بتشكيل وزارة جديدة يبرئ ويكشف زيف الاكاذيب على السعودية.
4 ـ التشكيل الجديد يمنحك فرصة بإعادة ترتيب المناصب وتحريك الزوايا.
سيادة رئيس الوزراء سعد الحريري:
احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة..
فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة
حفظ الله لبنان وشعبها وحفظكم من كل شر.
[email protected]