الديموقراطية نظام حكم ممتاز ولكن له بيئته الخاصة التي ينمو بها، ولا ينمو وينجح في اي ظروف واي مناخ، فنبات الزعفران غال ودليل عز، لكنه لا ينبت ويثمر في اي مكان مهما وفرنا له الظروف الصناعية، أقولها بأعلى صوتي: «الديموقراطية نحن لا نصلح لها» انها كالثوب الطويل الذي (يعت) يعرقل صاحبه في المسير ويعرضه للسقوط أو يعطل حركته، وهذه حالتنا، نعم نجحنا في البداية، وجنينا ثمار الديموقراطية، لأن بيئتنا في ذلك الوقت كانت ملائمة ومحتاجة لميزان الديموقراطية، وحتى يكون مقالنا هذا بحثا علميا، لابد من الصدق في القول ليعرف الشعب الكويتي (الشعب المهجن بالتجنيس الآن) كيف نشأت الكويت وعلاقة المحكوم بالحاكم.. الكويت نشأت قبل نشوء الولايات المتحدة الأميركية، لكنها شابهتها باستقطاب المغامرين والمبدعين، وأصحاب الفكر الحر، والمزاج الحر وغيره (كالتدخين والشعر الذي كان محرما في دول مجاورة) فجعلوا من هذه الأرض الموحشة الجدباء، واحة حرية في كل شيء، وجابهوا الجيوش للدفاع عن تكوينهم النموذجي الحر، فهذا يصلي، وذاك يغني، وهذا يبدع الأشعار، والآخر يدخن السيجار، مجتمع مختلف عمن حوله، لذلك أصبح يجتذب المبدعين في القول والعمل، أما الاختلاف الأكبر، فهو اختيار الحاكم، فنظرة الشعب للكرسي بأنه تكليف وليس تشريفا، ولأول مرة شعب يطرق باب أسرة ويطالب أحد أبنائها بأن يكون حاكما للبلاد، انها نظرية حكم جديدة، وديموقراطية عفوية، تمسك بها أهل الكويت مئات السنين ومن شدة العلاقة الطيبة بين الأسرة والشعب يلجأ ذو الحاجة لأي فرد من الأسرة ليفرج له كربته، فيعطي هذا أرضا، وآخر يحصل على وظيفة من شيخ آخر، وغير ذلك من الكرم، فتعددت القرارات، وكثرت الرؤوس، وتضاربت المصالح، فتصدى لها عميد الأسرة وأمير البلاد وقتها سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح وحدد المسؤوليات حسب القانون، واشرك الشعب بالمسؤولية بنظام ديموقراطي، فتساوت كفتا ميزان الديموقراطية بين الجميع وقد كان نواب مجالس الأمة الأوائل خير من طبق الديموقراطية فنهضت البلاد وعم الرخاء.
اليوم نرى رؤوسا (50) قد برزت من الكفة الأخرى الشعبية وأصبحت سيوفا تقصم ظهر القوانين، وسياطا تجلد حراسها، ان الأحداث التي نسمع عنها من فساد والاعتداء على حماة القوانين وخيانة الأمانات الوظيفية، والعبث بأمن الوطن وسلامته، لا تحدث إلا لمن أمن العقوبة وضامن الواسطة لأن هذا المذنب موقن ومتأكد من ان نائبه على كل شيء قدير، هناك مثل يتداوله طلبة كلية الحقوق يقول: مشرع القانون بعد أن ينتهي من تشريع القانون يفكر كيف يتحايل عليه، فنواب مجلس الأمة يشرعون القوانين، لكن بعضهم يدوس عليها.
إن غالبية الفساد والمفسدين في البلد يختبئون تحت بشت بعض النواب، وما استهتار الشباب في قيادة السيارات (بالتشفيط) والاعتداء على رجال الأمن ومنعهم من أداء عملهم إلا جزء من أضرار مجلس الأمة، أريحونا منه ومن خداعنا به، لن نسرع الخطى نحو التنمية مادام المجلس موجودا، ومادام الوزير يخشى النائب والنائب يخشى الناخب.
والناخب يريد كسر القوانين ليثبت أنه الأقوى.. فتبا لأمة تغزل القوانين وتنكث غزلها.
[email protected]