مما نقل ابن كثير رحمه الله في كتابه التاريخي «البداية والنهاية» عن فتح بلاد فارس أنه لما أوتي بالهرمزان وهو أحد قادة الفرس الأقوياء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان نائما متوسدا برنسا له بالمسجد (البرنس هو الثوب المقترن به غطاء الرأس) فسأله عمر رضي الله عنه بعد أن عُرّف له: كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ قال الهرمزان: يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان الله معكم غلبتمونا، فقال عمر رضي الله عنه مؤكدا صدق قوله ومضيفا في بيان السبب الواقعي الذي تميز به الفرس على العرب في الجاهلية قال: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا.
نصل من هذه الحادثة الى أن الاجتماع قوة والوحدة منعة وفي التكاتف تآلف، فإن وهن التلاحم قل التراحم وإن دفن التعاضد كان التباغض وإن ترك المسيء المفرق ولم يلجم تعدى ضرره لناقصي العقول أمثاله فكثروا فضروا وهدموا ما بني في عقود، ذلك أن ترك الخطأ يستفحل مع القدرة على وقفه ممن بيده السلطة يعد مشاركة منه في الخطأ وفي تجاهل الناصحين المشفقين مساهمة بالضرر، هذا ما يجب أن يعلمه جميع الأعضاء بمجلس الأمة من المؤيدين لطرح الثقة والمعارضين والممتنعين.
فبعض أفراد الشعب الكويتي كان سيرى في نجاح طلب طرح الثقة بوزير الإعلام محافظة على البلد ووحدته وإطفاء لنار المفسدين وإفحاما للمتخاذلين من المسؤولين ويكون الشكر فيه لله سبحانه أولا ثم للمتصدي لهذا الاستجواب النائب علي الدقباسي بعد أن تأخر المهددون به في البداية، أما وقد سقط الطلب وبقي الوزير في وزارته فهذا ما توقعناه سابقا للتراخي والتأخر في تقديم الاستجواب حتى قل المؤيدون وتبدلت القناعات، وفي الجهة الأخرى سينظر أبناء الشعب للمعارضين لطرح الثقة على أنهم مشاركون في استمرار الخطأ بالتراخي في تطبيق القوانين ومساهمون في الإضرار بالبلد ومؤيدون بطريق غير مباشر لعدم تطبيق القوانين أو الانتقاء في تنفيذها، وإن صرحوا بغير ذلك فتطبيق القوانين واقع لا يقبل التأويل، وستدور عليهم دائرة الاكتواء بنار المزاجية والهوى في هذا التطبيق الأعرج، أما الفئة الثالثة التي لا رأي لها وهم الممتنعون عن التصويت والذين يعتبرون كالغائبين فالنظر إليهم سيكون أشد حدة من المعارضين فالممتنع إن كان ظاهر الأمر أن لا رأي له فهو في الحقيقة يحسب من الحاضرين فيقل بهذا عدد المؤيدين ويكثر عدد المعارضين صراحة أو ضمنا فضلا على أن الامتناع يلجأ له المترددون المتذبذبون وهو ما لا يليق بمن وثق بهم الشعب واعتبرهم من رجال الدولة عفوا نسيت ونسائها.
اما وقد جددت الثقة بالوزير فالعبء عليه ثقيل من ثلاثة أوجه الأول أن يبادر بطلب تعديل في قانون المرئي والمسموع بإضافة فقرة للمادة المتعلقة بالمراقبين الماليين تفيد بأنه «استثناء من أي قانون آخر يعين الوزير بقرار منه المراقبين الحسابيين على الجهات الإعلامية المقروءة والمشاهدة والمسموعة من داخل وزارة الإعلام وتحت إشرافها» فالاستثناء يسري على القانون المنظم للمحاسبين والمكاتب الحسابية وقانون ديوان المحاسبة إن وجد بهما ما استشهد به الوزير في الاستجواب من حظر تعيين محاسبين إلا بطريق المناقصة العامة وما استلزمه ذلك من وقت طويل للإجراءات والمراسلات.
أما العبء الثاني على الوزير فهو محاسبة المقصر من الوكلاء المتخاذلين والمتراخين في تطبيق القوانين وإحالة من بلغ السن القانونية للتقاعد وعليه أن يجدد الدماء بوزارته من العاملين المخلصين دون خضوع لمساومات أو ترضيات لأعضاء أو غيرهم وإلا سيكون الأمر عكسيا عليه ويذوق مرارة كرة أخرى.
ونختم بالعبء الثالث عليه وهو أن يغير منهجية تعامله مع مسؤوليات وزارته ويستفيد من تجاربه فالحكيم من دان نفسه وقيمها واتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه فعليه أن يجدد ثقة الشعب به جاعلا العدل والحق وتطبيق القوانين على الكبير والصغير له سبيلا ونهجا كما كان الإخلال بهما مناط مساءلته السياسية السابقة والحالية.
[email protected]