تجتمع عند موت العزيز على أقربائه ومجتمعه وبلده، حشرجة النفس وضيق الصدر وفراغ القلب وألمه وانشغال العقل وتفكره وغيرها، ومن كبر المصاب وعظمه فقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، لأن العقل قد لا يصدق ذهاب العزيز بلا رجعة فيجزع أو يعترض على الله فيحرم أجر الصبر الذي لا سبيل إلا هو والذي حازه المسلم لقضاء الله وقدره.
ومن مشاهد ألم الفراغ الذي يحرق القلب قول الزهراء فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وعن أمها لما عاد الصحابة رضي الله عنهم من دفن أبيها النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته «أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله الترابي» فهيضتهم ومن عندها على البكاء، فكان ذلك المصاب الجلل أظلمت له المدينة بعد أن كان نورها دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
فالموت هادم للذات ومفرق للجماعات وحقيقة لا هرب منها ولا مفر، فيه يظهر عدل الله، فالسلاطين والملوك يتساوون مع الفقراء وعديمي المال والجاه، كما يظهر فيه إنصاف الله سبحانه فمن أحسن عملا لنفسه وخيره تعدى لغيره لا يتساوى مع من أساء لنفسه وحمل وزر غيره، فالغني الشاكر قال بعض أهل العلم أنه أفضل من الفقير الصابر لأنه مقتدر ماديا فيسهل له طريق السوء والمعاصي أيا كان شكلها، ولكنه أبى إلا طريق التصدق ونشر العلم والخير والنفع لبلده وأبناء بلده وإعماره، فجمع بهذا بعد موته أجر الصدقة الجارية والعلم المنشور ودعاء الخيرين له ممن لمسوا خيريته فتحقق حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» وقال أحد العلماء بل أفضلهما أتقاهما لله سبحانه.
هذه الحقائق عايشناها هذه الأيام، فسبحان من قدر الأمور وسيرها، ففي يوم واحد دفن في الثرى اثنان تماثلا في العمر والأعمال التي تنطق بفضلهما، هما رجل وامرأه اجتمع بهما أنهما يجمعان لا يفرقان، يبنيان لا يهدمان، خيرهما ظاهر في بلدهما، ولا نزكي على الله تعالى أحدا، فالرجل له من اسمه نصيب فهو مرزوق من الله سبحانه حب أهل الكويت والأسرة الحاكمة، ومرزوق بالمال الذي كان به من المبادرين لاستثماره بالبلد ومرزوق بعد النظر بإحياء الطب الإسلامي وإنشاء مركز ومسجد له ومرزوق البعد عن السياسة ومساوئها وعفن دهاليزها، ومرزوق الإعلام الهادف لا الفاسد فلم يكن إلا للوحدة الوطنية مجمعا وللضارب لها أو الساعي لتفتيتها محاربا، وغير ذلك مما عطر وخلد تاريخه، إنه الفاضل المرحوم بإذن الله سبحانه خالد المرزوق.
أما المرأة الخيرة فهي بتلة الخرينج التي يشهد لها أحد استثماراتها مع الله سبحانه، إنه المسجد الذي باسمها في منطقة العارضية والذي يؤمه الشيخ محمد ضاوي العصيمي فخرّج طلبة علم وحفظة للقرآن الكريم ونظم وينظم محاضرات شهرية وموسمية، فكل يدعو لها بخير المآل عند رب لا يضيع من أحسن عملا.
هؤلاء الأخيار قد وفدوا كما وفد من قبلهم على رب كريم رحيم يجازي بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا، فهو عند ظن عبده به ولا نظن به سبحانه إلا حسنا، والله أسأل ان يعقبهم بمالهم وذريتهم خيرا ورصيدا من الأعمال الصالحة التي تجري لهم بعد الوفاة.
[email protected]