كم شهد النيل في الدول التي يمر بها من حكام ورؤساء قاموا ثم بادوا وتركوا تركة فيها الغث والسمين والحسن والسيئ وتبقى الآثار والاحداث شاهدة عبر الزمن على ما جنت الأيدي.
ومقالنا اليوم عن ذلك نتمثله ليس بمصر بل ببلد عزيز آخر ودولة يشق طرفيها نهر النيل قال احد علمائها انها الوحيدة التي في بنكها المركزي لجنة شرعية، وقد اطلعت شخصيا على بعض تشريعاتها المستقاة والنابعة من الشريعة الاسلامية ومطبقة حسبما نسمع شريعة الله وأحكامه على عباده ناهيك عن شعبها الذي يمتاز غالبيته بالطيبة والصدق والامانة وجد البعض بالعمل، هذه الدولة خضعت بعد سمو للضغوط وركن رئيسها لرضا الغرب وتنازل عن جزء من ارض الاسلام وقطعة من جسده وفلذة من كبده وفرع من اصله.
اعلمتم من نقصد انه السودان ذو المساحة الشاسعة والخيرات المكنونة والاراضي الصالحة للزراعة ظاهرا الغنية باطنا تم التنازل عن جنوبها بالمخالفة لدستورها الذي يحظر التفريط في أي جزء منها وبغير رضا شعبها ودعاتها، بلا شك الذين هم اولى باستفتائهم بالقبول بذلك من عدمه لا استفتاء المطالبين بالانفصال (ولا نقول الاستقلال) الذين سيسعدون باستفتائهم ولن يغيروا ما طالبوا به كما ان ذلك كان بغير إذن المسلمين أيا كانت دولتهم فدولة الاسلام واحدة وربها سبحانه واحد وأحكامه واحدة وان اختلفت وتعددت حدودها، فهل انعقد المؤتمر الاسلامي وبحث الامر وما موقف مجمع الفقه الاسلامي؟ اسئلة كثيرة ومستنكرات عديدة لا قول فصل مقنع بشأنها.
قد يبرر البعض ذلك التنازل بأنه اتى نتيجة انتهاك حقوق الجنوبيين غير المسلمين والتعدي عليهم ومخافة تسلط الغرب على السودان وغير ذلك من دعاوى ان صحت بدلائلها تتيح للمسلمين عزل رئيسهم وتولية العادل المنصف عليهم وعلى غيرهم بها لا ان تذهب أرضا اسلامية اخرى تبعا للمسجد الأقصى المبارك أرضه وما حوله، فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشعر مسؤولية تسوية ارض إسلامية لدابة خوفا ان تعثر مهابة أن يسأله الله سبحانه لِمَ لم يسو لها الطريق؟ فتعدى مرحلة استشعار مسؤولية رعاية الانسان الى الحيوان فكيف بأرض اسلامية، ومن منهجه الاسلامي القويم مع مخالفيه في الدين، رحمه الله، ورضي عنه انه لا ينتهك حقوقهم ويتعدى عليهم بل العدل معهم ومن ذلك انتصاره للنصراني على ابن والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه لما ضرب الابن ذلك النصراني قائلا: اتسبق ابن الاكرمين فقال عمر للنصراني لما احضرهما للمدينة النبوية المنورة وسمع الطرفين: اضرب ابن الاكرمين.
نصل من ذلك الى ان حكم الناس ورئاسة الدولة يستلزمان استشعار عظم المسؤولية ومراقبة الله جل جلاله في الارض والسلطة والناس وترسيخ العدالة بينهم و ذلك من اسباب إطالة مدة الحكم وما عداه الى فناء وزوال بسرعة.
ونختم بحقيقة ان المناصب العليا الدنيوية تستشرب حبها النفوس وتشغف بها القلوب حتى تفتن صاحبها فيضحي بكل شيء لديمومتها له وليست بدائمة وكم هو عسير حساب من ولي امر المسلمين او بعضهم وانتهك حرمة الأمانة فلم يكن قويا أمينا وسيسأل المتنازلون عن الاراضي الاسلامية والمتواطئون والمتخاذلون والفرحون ولو بعد حين عن ذلك قال تعالى (وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا) وقال تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون).
نسأل الله العزة لهذا الدين والمحافظة على ديار المسلمين على ايدي رجال صادقين مخلصين في الدنيا زاهدين.
lowwersalman@tiwtter