لابد أن كلا منا قد أبرم عقدا أيا كان نوعه، عقد شراء أو بيع أو إيجار أو مقاولة أو وكالة أو غير ذلك من تصرفات قانونية، ولزم لانعقاده التوقيع بذيل ذلك العقد، فما التوقيع وما أثره؟ التوقيع إنما هو إفصاح وإعلان عن الإرادة بالموافقة على ما تم تدوينه وتبني مسؤولية ما تم تحريره أيا كان مضمونه، هذا تعريف عام ينطبق على كل تصرف يصدر عن عاقل كامل الأهلية، يضاف له بشأن القرارات الإدارية والوزارية ان تصدر عن مختص بأركانه الصحيحة الأخرى.
ومن الأهمية أن نعرف أن للتواقيع أنواعا بحسب قوتها وأهميتها ومصدرها ومضمونها ومنزلة المفوض لها، ولا شك أن أهم وأقوى وأرفع التواقيع الموقع عن الله سبحانه وتعالى وهو المفتي فقد تبوأ منصبا كبيرا ومن شروطه أن يكون معتليا عن الهوى وملما بما يؤهله من العلم لذلك، هذا ما حرره ابن القيم الجوزية وزيادة عن الإفتاء والمفتين في كتابه المشهور «اعلام الموقعين عن رب العالمين» وقال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه عن المفتي «إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟».
وبإنزال الفقرة الأولى من هذا القول السديد على واقعنا فإن الوزراء قد تحملوا ثقة ولي الأمر صاحب السمو الأمير حيث فوضوا عن سموه، كل في منصبه، وتنص على ذلك المادة 55 من الدستور «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه»، لذا فإن قراراتهم المنتهية بتوقيعهم يجب أن تكون عادلة بين الموظفين والمواطنين والمقيمين متضمنة المساواة بين أصحاب المراكز المتماثلة دون تمييز أو تفرقة غير مبررة جاعلين الحق منهجا والعدل سبيلا، ولكن ما نراه خلاف ذلك ـ مع الأسف ـ وأظهره أمران، الأول التقرير الأخير لديوان الخدمة المدنية المقر بكثرة الفساد الإداري في الوزارات واستشرائه، والثاني كثرة الطعون الإدارية أمام القضاء بدعاوى عديدة بعضها إنما كان سعيا لرفع ضيم وقع على موظف أو مواطن أو مقيم من مدير أو حيف من وزير تضمنه توقيع على قرار بذلك لأي منهما، فهذا القرار الأخير المحتوي على ظلم بترقية أو تنصيب غير مستحق وتخطي مستحق أو محاباة لشخص ومعاداة لآخر أو عدم الإذن بالعلاج بالخارج لحالة تستدعي ذلك والسماح لأخرى لا تستدعي السفر مرضاة لصديق أو عضو أو شيخ أو متنفذ وغير ذلك من حالات إنما هو توقيع على جور، ورضا بظلم وشهادة على حيف أفصح عنه ذلك المدير أو الوزير بتوقيعه على القرار الذي تضمنه ناسيا أنه سيتجرع مرارة قراره عند رب العالمين أعدل العادلين إن لم تعجل له عاقبة الظلم والجور في الدنيا.
أين ذلك من خير السلف والخلف النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الأسوة والقدوة الحسنة عندما قال «إنني لا أشهد على جور». ونرى أن من علاج ذلك ابتداء أمام الضعف الحكومي وتمدد الفساد الإداري الا نجعل الدولة تتحمل أخطاء لا يعذر محدثها الجهل بها مرتكنا إلى أنه لا ضرر ولا مساس يصيبه وعليه فنقترح أن يبادر مجلس الوزراء الموقر أو المنصفون من أعضاء مجلس الأمة بتعديل على قانون الخدمة المدنية بإضافة مادة بشأن الموظفين بل ليعم النفع بإصدار تشريع عام يفيد بأن «لكل متضرر من قرار صدر حكم لصالحه بإلغائه الرجوع إلى مصدر القرار بشخصه لا بصفته ـ شخص المدير أو شخص الوزير ـ بالتعويض المادي الجابر لضرره بما فاته مما هو مستحق له وما لحقه من ضرر معنوي».
[email protected]