سامي الخرافي
دفعني تذكر أيام الطفولة ذات مرة الى فتح ألبوم صوري فوقعت عيناي على صورة تضم أعز أصدقائي فنفضت الغبار عنها فانسكبت دمعة من عيني، فقد تذكرت صديقي يوسف الذي توفي في حادث سيارة، ومحمود الذي استشهد أثناء الاحتلال العراقي وهذا صديقي عبدالله الذي أصبح طبيبا، وها هو صديق الجميع جاسم الذي بدا على يمين الصورة وكان مولعا بالمقالب والطرائف الرائعة (صاحب نكتة) لكن حسب علمي لم يكمل دراسته، كما ضمت الصورة أصدقاء لا أعرف أين هم الآن فأمسكت صورتي وأخذت في شمها وأخذتني الذاكرة الى زمن الطفولة الجميلة وبدأت أحدثها قائلا:
صورتي القديمة:
كم اشتقت الى أيامك الجميلة، حيث البساطة والهناء وكثيرا ما كنت أسمع آهات الكبار عندما يشاهدون أغنية كويتية قديمة «أبيض وأسود» حيث الفن الأصيل ويتذكرون كويت الماضي ايضا التي كانت بعيدة عن التعقيد والأمور تسير على البركة بعيدا عما نراه في وقتنا الحاضر من أغان سريعة تعتمد على النظر للجسد دون اعتبار للصوت واللحن والكلمة.
صورتي القديمة:
كم اشتقت الى حضن ابي وحنانه وسماع صوته والى آباء أصدقائي الذين كانوا ينصحوننا ويخافون علينا ويعاملوننا كأبنائهم وكنا نستمتع بأحاديثهم عن أيام الغوص والسفر والتعب الذي كانوا يلاقونه، ويسردون علينا قصصهم الرائعة التي لا تخلو طبعا من المبالغة في الوصف، اسأل ربي ان يرحمهم جميعا بواسع رحمته، أما في وقتنا الحاضر فنرى شباب الديرة لا يكادون يعرفون شيئا عن المسميات الكويتية القديمة او اي احداث قديمة.. الخ، انه زمن التطور والحداثة ونسيان الماضي.
صورتي القديمة: كان لدينا في الماضي كتّاب وشعراء ومطربون ولاعبون.. الخ، وكانوا الأبرز على الساحة الخليجية وعلى درجة كبيرة من العطاء والنشاط، إننا نفتقدهم رغم ان معظمهم مازال موجودا وكنت أتمنى عمل مقابلات معهم لتوثيق أعمالهم وجهودهم التي رفعت اسم الكويت عاليا وكذلك أتمنى تكريمهم قبل فوات الأوان لأنهم نماذج رائعة في حين افتقدنا في وقتنا الحاضر أمثال هؤلاء.
صورتي القديمة:
كم اشتقت الى أيام اللعب والمرح فها هي ضحكات أصدقائي لاتزال حاضرة في ذهني ونحن نصيد الطيور في وقت الربيع، وكيف كنا نشوي بطريقة بدائية نأكلها ببراءة الأطفال وتصرفات الكبار، كان لكل موسم عندنا نشاط نقوم به وكانت الكلمة الحلوة تعالج الكثير من أخطائنا حتى عندما كان احدنا يصاب بجرح في قدمه كنا نقول له ضع على رجلك قطعة قماش بعد حرقها على مكان الألم فستشفى بإذن الله، كنا نتوكل على الله دائما في كل أمورنا ونادرا ما نسمع عن ذهاب احد الى الخارج للعلاج مثل ايامنا هذه، حيث كان الطب الشعبي هو السائد ورغم ذلك كانت البركة موجودة والنية صادقة، اما في وقتنا الحالي فنجد شبابنا معظمهم في الأسواق دون هدف واضح وهم بحاجة الى من يرشدهم ويحثهم على عمل الأشياء المفيدة ومع ذلك نراهم غير مبالين بكل ما يدور حولهم.
صورتي القديمة:
لقد اشتقت لبيتنا القديم والحوش واللعب فيه، واشتقت الى «فريجنا» القديم، حيث كنا ندخل الى بيت صديقنا بعد الاستئذان من أهله لنوقظه من النوم ونذهب الى لعب الكرة، لقد كنا نحترم حرمات البيوت ونحميها وندافع عنها ونخجل عندما نشاهد احدا من أهله وكم كنا نتسابق عند رؤيتنا لامرأة كبيرة في السن لمساعدتها في حمل أغراضها التي على رأسها او في يديها كنا نعتبر اي امرأة كبيرة هي امنا ومن الواجب علينا مساعدتها واحترامها، أما في وقتنا الحالي فالواحد منا لا يكاد يرى ابناءه لوجودهم في غرفهم اعينهم تسمرت على «اللاب توب» والتحدث مع اصدقائهم لا يعرفون من جيرانهم ولا توجد لديهم روح المساعدة والمبادرة لأي كان.
صورتي القديمة:
سأتركك ولن أنسى أصدقاء الزمن الجميل زمن كويت الماضي، حيث الترابط والتكاتف وحب بعضنا بعضا وسأبقى متفائلا بأن الجيل الحالي سيغير أحواله ويقتدي بجيل الآباء والأجداد وتعود الكويت كما كانت في ذلك الزمن الرائع الذي لن ننساه جميعا.
يقول د.عايض القرني في كتابه لا تحزن «لن تسعد بالنوم ولا بالأكل ولا بالشراب ولا بالنكاح وانما تسعد بالعمل فهو الذي أوجد للعظماء مكانا تحت الشمس».
[email protected]