عندما كنت مديرا في إحدى المدارس، دخل علي طالب على ما أذكر كان في الصف السادس وكان يبكي بحرقة وسألته: ما الذي يبكيك فأجاب قائلا: أكره المدرسة وأكره كل شيء فيها والسبب «الحكرة» في البيت، أبوي يطلب مني أن أكون من المتفوقين، وممنوع علي اللعب إلا في العطل لقد كرهت الكتب والواجبات... الخ، ولم أجد أي إجابة لتلك التساؤلات سوى أن قلت له سوف أتحدث إلى والدك وما يصير خاطرك الا طيب، فهنا خفت دموعه رغم علمي بأن والده لن يستمع إلى نصيحتي.
ما شاهدته عن التعليم في فلندا مؤخرا عن طريق «اليوتيوب» وكيف كان تصنيفها في أسفل الدول وخلال فترة قصيرة أصبحت الدولة الأولى في التعليم على مستوى العالم، يسترعي الانتباه، فماهي الطريقة التي اتبعوها من أجل الوصول لذلك الهدف؟
لقد استغنوا عن «الواجبات المنزلية» والتي يعتقدون أنها قد عفى عنها الدهر!! أرادوا أن يعيش الطالب مرحلة طفولته بشكل كامل دون أي منغصات، إن تحصيلهم العلمي يأتي بأساليب أخرى وإن العقل يحتاج للراحة من وقت لآخر لأن الدراسة بشكل مستمر ستكون المحصلة النهائية صفر، إن التركيز الذي اهتموا به بشكل خاص هو نشر «السعادة» داخل المدرسة فيجب أن يتعلموا كل شيء كالطبخ والرسم واللعب... الخ، إن الطفولة برأيهم قصيرة جدا فيجب أن يعيشها الطالب بشكل مناسب تتناسب مع طفولته فلهذا السبب احضروا المهندسين للجلوس مع الاطفال لمعرفة ما يحتاجونه لبناء الملاعب وقاموا بتصميم ما طلبه الأطفال، فالاطفال عندما يكون لديهم الوقت الكافي للعب سوف يكبرون وتكون لديهم حصيلة قوية من التواصل الاجتماعي ويتعلمون كيف يحترمون أنفسهم ويحترمون الآخرين فهناك أشياء في الحياة أهم من المدرسة.
معالي الوزير.. هل شاهدت في نهاية دوام الطلاب وخاصة المرحلة الابتدائية على سبيل المثال منظرهم وهم يسحبون «جنطتهم» والتي أتحداك أن ترفعها بيد واحدة ومنظر التعاسة على وجوههم والتعب والعرق، لا تجد أحدا يخرج مبتسما بل الأغلبية مكتئبة والسبب أسلوب التدريس والعين الحمرا والحصص المتتالية التي لا تجعل الطالب يمارس طفولته بشكل صحيح.
كم المعلومات المطلوب حفظها وليس فهمها تجعله غير قادر على استيعابها، خصوصا في المراحل الاولى مما يجعله كارها المدرسة، إن قدرة الطالب على الانتباه لاتتجاوز ثلث ساعة فيا ويلك إن لم تكن منتبها طوال الحصة سيكون «الزف» والإهانة.. هو مصيرك ولا يوجد مجال للنقاش والتعبير بحجة أن الحصة لا تكفي لمثل تلك النقاشات، أضف إلى ذلك الحصص الدسمة المتتالية تجعله يكره المدرسة.
معالي الوزير.. فرصتك هي أن تنقل تعليمنا التقليدي إلى تعليم راق وخاصة أن الدولة لم تقصر من ناحيتها في جميع المراحل الدراسية ومع ذلك مازال التعليم عندنا مكانك سر، وإلى متى نصر على أن نكون في مصاف الدول المتأخرة في التعليم!! حيث لا يمنع من الاستعانه بخبراء من فنلدا من اجل تطبيق تجربتها في بعض المدارس كنوع من التجربة ومدى ملائمتها لنا.
وفي الختام.. نريد جيلا لديه الولاء لوطنه ومخلصا لدينه وينبذ التطرف وينبذ الطائفية يتعايش مع الاخرين بسلام، إن المعرفة في وقتنا الحاضر اصبحت سهلة بوجود عالم الإنترنت، تلك هي أهم الأمور التي يجب الانتباه إليها وليس كما هو حاصل حاليا.
[email protected]