عندما يبدأ أحدهم بالحديث عن الدين أو السياسة.. إلخ، يظهر البعض استياءه بسبب ما طرح من أفكار، بغض النظر عما ينادي به الآخر حتى دون الخوض في محاورته ومعرفة ما يقصده، فيبدأون بتكفيره أو تخوينه، وتتسارع الألسن بشتمه ولعنه وقد يصل الأمر الى حد المطالبة بطرده من بلده!! رغم أن ما طرحه هو وجهة نظر قابلة للنقاش والحوار.
إن القرآن الكريم فيه من الحوارات العديدة بين الله سبحانه وتعالى والملائكة وحتى مع إبليس لعنه الله رغم أنه قادر على فعل ما يريده، وكذلك بين الرسل والمخالفين لهم فكانت الحجة والبرهان سيد الموقف وليس انتقاص حرية التعبير عن الرأي، فالاختلاف واقع وحقيقة والبرهان هو ما نريده في تفسير ذلك الاختلاف مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
إن مبدأ الحوار هو منهج نحرص على أن نسير عليه دون عصبية أو تهميش الطرف الآخر فيما ينادي به، فعلى سبيل المثال عندما يطلب الله سبحانه وتعالى من سيدنا موسى وأخيه هارون أن يذهبا إلى فرعون لأنه طغى وطلب منهما التحدث معه بكلام سهل ولين لعله يتراجع عما ينادي به أو يخاف، ذلك الحوار رغم أن فرعون كافر، والله سبحانه وتعالى قادر أن يخسف به الأرض، ولكنه طلب منهما محاورته بالحكمة والحجة والهدوء وليس بفرض الرأي الواحد والصوت العالي، وفي سورة يوسف وظلم امرأة العزيز لسيدنا يوسف بادعائها انه قد اعتدى عليها، ليشهد بعدها شاهد من أهلها ويبرئ سيدنا يوسف مما قالته بالدليل والحجة بأسلوب هادئ.
إن القرآن الكريم يركز على أمر مهم جدا وهو أن يتم الحوار بالحجة والدليل وعدم التعصب للرأي والهدوء في المحاورة للتحقق من أمر معين، لذا نجد أن كثيرا من مشاكلنا وفشلها في كثير الأحيان هو عدم اتباع الإجراءات السليمة في الحوارات وهو يعكس طبيعة مجتمعاتنا بأن يطغي على حواراتنا الرأي الواحد، وأنا الأصح، فيجب أن نتبعك دون مناقشة وكأننا صم بكم عمي فهذا الأمر مرفوض فلدينا عقل وفكر ولكن نكون لك إمعة تقودنا كيفما شئت، ونشاهد في كثير من المقابلات الحوارية التلفزيونية حيث يبدأ الضيوف بالسلام وتنتهي بالسب والشتم والصراخ !
وبالتالي فإن هدف الحوار ليس مناقشة قضية معينة أو فكرة بالحجة والبرهان بقدر ماهو إثبات للوجود وتهميش الطرف الثاني لأن المحاور ليس لديه حرية فكرية يستطيع اتخاذ قراره الفكري.
آخر الكلام: لكي نقنع الآخرين بما تريد، ينبغي أن يصدقوا حديثنا أولا، ولكي يصدقوا حديثنا ينبغي أن يكون حديثنا صادقا، ولكي يكون حديثنا صادقا ينبغي أن يكون واقعيا.
[email protected]