وردت في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» قصة تحمل الكثير من الحكم والعبر يمكن الاستفادة منها في وقتنا الحاضر.
يحكى ان رجلين تنازعا على ارض، فأنطق الله تعالى لبنة من جدار تلك الارض فقالت: انني كنت ملكا من الملوك ملكت الدنيا الف سنة ثم صرت ترابا الف سنة ثم اخذني خزاف وجعلني اناء واستعملت الف سنة حتى انكسرت وصرت ترابا فأُخذت واصبحت لبنة، وانا في هذا الجدار منذ كذا وكذا سنة، فلم تتنازعان على هذه الارض وانتم عنها زائلون والى غيرها منقلبون؟
أسوق هذه القصة لما نسمعه في كثير من الاحيان عن نزاع يحدث بين الاخوة على اراض أو اموال او غيره بسبب الميراث وتعنتهم بعدم الصلح الودي، وقد يصرون على رفع الامر الى المحاكم على اعتبار ان كل منهم يدعي ان له النصيب الاكبر او ان الحق له وحده فقط، وكما نعلم ان هذه الاجراءات تأخذ وقتا طويلا في المحاكم، الامر الذي يؤدي الى حدوث القطيعة بين العائلة على امور دنيوية زائلة وزائفة مما ينعكس ايضا على كل من له علاقة بهذه القضايا، فتجد ان الدائرة تتسع لتشمل اطرافا متعددة متداخلة بطريق مباشر او غير مباشر بسبب هذا النزاع لأن صاحب الميراث لم يقم بتوزيع ثروته اثناء حياته فحدث ما حدث.
ومانتمناه من كل صاحب ثروة انه اذا اقدم على تقسيمها في حياته ان يكون ذلك بالعدل والتساوي حتى يطمئن بأن جميع افراد اسرته على وفاق دائم لتكون هذه العائلة متحابة ومتعاونة الامر الذي يؤدي الى تقوية المجتمع وثباته، يقول الله سبحانه وتعالى (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ـ النساء) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث، صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له» وكما نلاحظ لا نجد في هذه الامور الثلاثة التي ذكرها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم اي ذكر للمال او الارض او غيره وليعلم كل انسان ان الامور التي جاءت في حديث نبينا صلى الله عليه وسلم هي الامور التي يجب ان يحرص عليها لانها الباقية بعد مماته.
يقول الشاعر ابو نواس في وصف الدنيا:
- وما الناس الا هالك وابن هالك
- وذو نسب في الهالكين عريق
- اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
- له عن عدو في ثياب صديق
وقال احدهم:
- ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
- على الماء خانته فروج الاصابع
ويقول د.عائض القرني في كتابه (لاتحزن): «ان الدنيا لا تستحق الحزن عليها»، حيث يقول ان احد السلف كان يوصي احد اخوانه بـ «اجعل الهم هما واحدا وهو هم لقاء الله عز وجل هم الاخرة هم الوقوف بين يديه حيث ان كل الهموم هي اقل من هذا الهم فلماذا تتنازع العائلة على الاموال والاراضي وغيرها من الامور الزائلة، فهي لا تساوي شيئا امام هم الوقوف امام الله سبحانه وتعالى.
ويقول احدهم: «أن ليس من حياتك الا يوم واحد فأمس ذهب وغد لم يأت» بعد كل هذا مازال الاخوة يريدون التنازع والفرقة؟ فاحرص يامن تملك ثروة على مراعاة الله سبحانه وتعالى في اعطائها لكل من يحتاج خاصة الاقربين منك في حياتك حيث نسمع أن اخا لديه ثروة طائلة انعم الله بها عليه يقوم بتوزيعها على القاصي والداني وينسى اخوته وهم في امس الحاجة الى مساعدته، ان الثروة التي حباها الله لك انت مسؤول عنها امام الله سبحانه وتعالى فأحسن التصرف بها في حياتك قبل مماتك لتنعم بالراحة في الدنيا والاخرة.
[email protected]