سامي النصف
أحد الأمور التي نلحظها في مذكرات الساسة والقادة العسكريين الأجانب هو انصافهم وثناؤهم الشديد على خصومهم وهو ما يعطي ما يكتبونه كثيرا من المصداقية والموضوعية.
في المذكرات السياسية والعسكرية العربية نلحظ العكس من ذلك تماما، حيث ان الخصوم هم دائما شياطين وجبناء ومخطئون على طول الخط، اما من يكتب المذكرات فهم دائما ملائكة وملهمون ولا يأتيهم الزلل او الخطأ أبدا في القول او الفعل.
واحد الاخطاء الكبرى في الكويت التي ستدفع اثمانها الاجيال المقبلة غاليا هو قلة او انعدام كتابة المذكرات من قبل رجال الحكم والساسة والاقتصاد والفكر والاعلام والوزراء السابقين، بل وحتى الرجال العاديين مما يجعلنا مستقبلا امة دون تاريخ مما سيسهل عمل الطامعين والمزورين ويصعب من عمل من سينكر تلك الدعاوى المتوقعة اللاحقة في غياب القدرة على الاستشهاد بكتابات ومذكرات وذكريات من عاشوا حقبنا التاريخية المختلفة والتي لا يوجد - للعلم - ما نخجل منه او نخشى ذكره.
من ذلك المنطلق سرّنا كمبدأ اولي ان يقوم د.احمد الخطيب بكتابة مذكراته وقد وددنا ولايزال في الوقت متسع ان يكون حاله كحال رجال الامم المتقدمة السالف ذكرهم منصفا في حق خصومه ومتوازنا في حكمه على الامور، حيث ان تلك المذكرات كما قدم لها ستقرأ من قبل اجيال لم تشهد الاحداث التاريخية التي يتم التطرق لها، وفي غياب واضح لمذكرات الشهود الآخرين لتلك الحقب من اصحاب الرأي والرأي الآخر، مما يحمل الدكتور الفاضل مسؤولية مضاعفة عن وجوب الموضوعية في الطرح في تلك المذكرات.
وقد شهدنا في الجزء الأول من المذكرات حدة لا نود ان تتكرر في الجزء الثاني كونها دعاوى كان الطرف الآخر فيها من الراحلين، كما ان بعض تلك القشور جرفت الردود بعيدا عن صلب الاحداث التي عادة ما تصبح اضافة للطبعات اللاحقة من الكتاب، كما ابتعدت المذكرات عن تخطئة الذات او مدحها، كما تم في موقفين تاريخيين مشهورين: أولهما اللقاء مع عبدالكريم قاسم في اغسطس 1958م، والثاني امام انشاء «الحركة الثورية الشعبية في الكويت» في صيف 1968، فالأول يستحق التخطئة، والثاني يستحق الثناء.
وقد بدأت هذه الايام الزميلة «الجريدة» بنشر الجزء الثاني من مذكرات د.احمد الخطيب راجين، كمتابعين ومهتمين بتاريخ الكويت الحديث، ان يتم خلالها تعزيز الموضوعية واحترام الرأي الآخر والبعد بتلك المذكرات المهمة عن الشخصنة وتصفية الحسابات الشخصية والتباينات السياسية التي ليس موضعها كتب المذكرات والذكريات الهادئة والمتزنة والمنصفة، التي يجب ان تنأى بنفسها عما يحمله المقال اليومي من انفعال.
آخر محطة:
(1) لاحظت ان اسم المذكرات هو «الكويت من الدولة إلى الإمارة» بينما يفترض السياق التاريخي ان يكون العنوان على العكس من ذلك اي «الكويت من الامارة الى الدولة» اي من حالة «الامارة» التي عاشتها الكويت خلال الـ 250 عاما الأولى من عمرها الى حالة «الدولة» التي عشناها خلال الـ 50 عاما الماضية.
(2) كتب المقال بعد قراءة الحلقات الأربع الأولى من الجزء الثاني من المذكرات.