ازدادت وتيرة اتهام الوافدين في استنزاف الدولة والخلل في التركيبة السكانية، وقد تم اقتراح منع الوافدين من أخذ الدواء في المستوصفات والمستشفيات الحكومية لتحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين، وقد تساءلت كثيرا في الأيام الماضية عن كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين بهذه الطريقة، فما دخل الوافدين في العدالة الاجتماعية؟ وهل يفتقد الكويتي عدالة اجتماعية أمام الوافد؟
العدالة الاجتماعية هي المساواة بين طبقات المجتمع، وذلك بأن نكون سواسية وألا توجد فوارق كبيرة بين الطبقات الاجتماعية بوجود طبقة غنية جدا وطبقة فقيرة جدا بغض النظر عن انتماء الفرد او جنسيته.
وعندما نقارن في الكويت بين الوافد والمواطن من ناحية العدالة الاجتماعية نجد أنه هناك لا مساواة في الكثير من الأمور بين الاثنين عند تطبيق المعنى الحقيقي للعدالة الاجتماعية، فمثلا راتب الكويتي لا يساوي راتب الوافد كما يتبع في الدول التي تنظر للإنتاجية لا للجنسية، ولا يتمتع الوافد بجميع الخدمات التي يتمتع بها الكويتي من سكن وتعليم وصحة وغيرها. لذلك لا مجال للمقارنة بين الاثنين، فرفع شعار تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين هو شعار غير منطقي ومغلوط يؤدي الى شعور المواطنين بالظلم الوهمي ويثير مشاعر مستفزة لا داعي لها.
ورغم أن مقترح التأمين الصحي فكرة جيدة ولكن يعمل غالبية الوافدين في الكويت للوزارات والمؤسسات الحكومية، فكيف سيتم التوفير من الميزانية إذا كانت الحكومة ستتكفل بالتأمين الصحي لموظفيها؟ هذا وقد ذكر بعض الأطباء ان تكلفة العلاج الطبي في الكويت تفوق تكلفة الأدوية إلا أنه لايزال هناك من يصر على ان منع الأدوية هو الحل.
قد يمارس بعض الوافدين ممارسات خاطئة مثل استغلال الأدوية ببيعها وصرف ما هو أكثر من حاجاتهم، ولكن ليس من المقبول أن نعاقب الجميع بسبب فئة من المستغلين لهذه الخدمات، فما ذنب المريض الذي يحتاج إلى الدواء وراتبه قليل ثم نحرمه من أبسط الحقوق الإنسانية؟ ورغم هذا، التموين الغذائي المخصص للمواطنين يتم تهريبه لبعض الوافدين سواء للاستخدام الشخصي أم للبيع، فما الذي يضمن عدم حدوث هذا الشيء مع الأدوية في حال منعها؟
تقليل نسبة الوافدين بهذه الطريقة لن تجدي ولن تحل المشكلة الحقيقية التي تقع فيها الكويت، ببساطة لو رحل جميع الوافدين لن نستطيع أن نغطي جميع الوظائف التي يشغلونها لأننا تنقصنا الخبرات العملية في بعض الأعمال كالبناء وغيرها، وأيضا هناك وظائف غير مقبولة اجتماعيا تحتاج الى وقت لكي يتقبلها المجتمع، كما أن ادعاءات أن الوافدين يحتلون وظائف الكويتيين هو أيضا غير صحيح، لأنه لو تتم مراجعة طريقة التوظيف في الكويت فسنجد مثلا قسما إداريا يحتاج إلى 10 موظفين نجد به أكثر من ضعف هذا الرقم، لأنه من أولويات الدولة التوظيف على حساب الكفاءة.
جميع الدول التي توظف الوافدين تعاني من مشاكل مصاحبة لهم سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، فهذا النوع من التوظيف له مزايا وله عيوب، ولكن في الكويت تحديدا لسوء إدارة الحكومة تظهر على السطح مشاكل ويلقي اللوم على الوافد.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استضافت الكثير من السوريين باسم الإنسانية رغم المشاكل التي ظهرت في ألمانيا التي وصلت للإرهاب، ولكن الفرق بيننا وبينهم انهم يتقبلون المزايا والعيوب لقراراتهم بعكسنا نحن الذي لا نتقبل أي مشكلة من الوافدين رغم استقدامهم حسب النظم والقوانين، لأننا لا نرى الوافد كشريك في البناء بل شخص انتهازي جاء ليأخذ الأموال ويهرب إلى بلده بعد ذلك، وبالتالي تصبح نظرة الوافد للمواطن بأنه شخص عنصري يعتبر الوافد كخادم وليس كانسان له حقوق وواجبات مما يسبب ذلك علاقة مضطربة تسبب خلافات قد تكبر وتصبح أزمة.
ومن انعكاسات رؤيتنا السلبية للوافدين مؤخرا هو الكلام الذي صدر من أحد الأكاديميين في ندوة اتحاد الطلبة الكويتي فرع أميركا والقيام بالسخرية من الاخوة المصريين ويتحدث عن سوء إدارة الدولة لطلبة المفترض ان يتم تأهيلهم لبناء بلدهم بدلا من شحن عقولهم بالمعارضة السياسية، لذا تنعكس هذه الثقافة السيئة من رجل الشارع الى الأكاديميين والذي يفترض انهم أكثر الأشخاص وعيا ورجاحة في العقل.
لسنا ضد الإصلاح الاقتصادي ولكن من دون طرق مستفزة ومع دراسة مستفيضة حول الإيجابيات والسلبيات بدلا من رفع شعارات من شأنها ان تشعر المواطن الكويتي بالظلم الوهمي، فالكويتي معزز مكرم في دولته.
المطلوب إصلاح سوق العمل ومكافحة تجار الإقامات ثم وضع حد أدنى للأجور لكي لا يتم ظلم الوافدين بأثقال كاحلهم بتكاليف المعيشة وان يتم إبعاد العمالة الهامشية ومن ثم سترون الحل الحقيقي للمشكلة بدلا من الترقيع المستمر من أجل التكسبات الانتخابية.
Twitter: SaqerG