منذ مطلع القرن انطلق الحديث عن حوكمة الشركات، وزاد الحديث بعد الأزمة المالية في ٢٠٠٨، التي تمخض عنها تشريع قانون وتأسيس هيئة أسواق المال في عام ٢٠١٠، يمكن الاختلاف حول تعريف الحوكمة، لكن يوجد شبه إجماع أن هدفها الرئيسي تحقيق الشفافية والعدالة من خلال حماية حقوق الملاك والموظفين والإدارة التنفيذية عن طريق تنظيم العلاقات بين الأطراف ذات الصلة.
وتبرز حماية حقوق صغار المستثمرين كواحد من أبرز المعايير عند قياس درجة الحوكمة في الأسواق، حيث يؤثر على ثقة المستثمرين واحجام التداول، فأثبتت الدراسات الأكاديمية ان الأسواق التي توفر حماية للمستثمرين بشكل عام والصغار منهم بشكل خاص تتمتع بسيولة عالية وتدفق أكبر من الأموال الخارجية وتقييم أعلى للشركات المدرجة فيها، في حين تواجه الأسواق التي لا توفر تلك الحماية عكس ذلك تماما، حيث تقل الاستثمارات الأجنبية والسيولة بشكل عام، ما يعرض شركاتها للتداول بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، حيث يضع المستثمرون خصما ليعوضهم عن المخاطرة ويحميهم من الاستغلال المحتمل لاستثماراتهم.
بناء على ما سبق، يفضل المستثمرون الاستثمار في الأسواق التي توفر حماية لأموالهم.
ما حدث ويحدث في بورصة الكويت من سلب لحقوق صغار المستثمرين جرس إنذار يجب التوقف عنده، فموضوع غياب الشفافية وتضارب المصالح أصبح يمر بصورة قانونية للأسف الشديد، فعلى سبيل المثال خسائر مركز سلطان ووقفه عن التداول، وقضايا آجيليتي التي كان لا يعرف أثرها، إلى موضوع زين، والذي يعتبر القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث بيعت أسهم الخزينة بسعر أقل من ٣٠% من قيمة الصفقة المتوقعة لكبار الملاك الذين يسيطرون على مجلس الإدارة، وعلى نفس المشتري شركة عمانتل، ما سيؤدي إلى حرمان ملاك شركة زين وخصوصا صغار المستثمرين من مبلغ يقرب من ٧٧ مليون دينار، ويبدد على الدولة نحو ١٩ مليون دينار أمام أعين هيئة الاستثمار وممثلها في مجلس الإدارة.
قانونية الصفقة وشرعيتها لا يعني بأي حال من الأحوال مثالية وكمال التشريعات، الحديث هناك لا عن طبيعة الصفقة بحد ذاتها، إنما عن القوانين التي تسمح بمثل هذه الممارسات التي يتضرر منها صغار المستثمرين بشكل عام، والدولة والبورصة وأسواق المال بشكل خاص، فصمت ممثل الهيئة العامة للاستثمار مع عدم وجود عضو مستقل او قوانين تنظم عملية تضارب المصالح بين الملاك وأعضاء مجلس الإدارة يلام عليه المشرعون وليس الملاك فقط.
يجب ان نتفق جميعا إذا ما كانت البورصة وهيئة أسواق المال تطمح لأن تصبح سوقا عالمية، فالهدف ليس فقط تطبيق القوانين الموجودة، إنما السعي لسد الثغرات الحالية، والتطور بالاستفادة من الخبرات العالمية والتجارب الإقليمية في هذا المجال، فترقية الأسواق تتطلب ضمانات لصغار المستثمرين، لتعزيز ثقة المستثمرين وجلب استثمارات إضافية وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص.
[email protected]