هناك من يدعو للتمسك بالدستور والاحتكام لنصوصه ويرفع شعار الديموقراطية سراجا ومنهاجا ولكن واقع الحال يكذب أفعاله ويدحض أقواله، والشواهد على ذلك كثيرة ولن أقتفي أثر هذا وذاك لألتقط تناقضاته وانتهاكاته الديموقراطية والدستورية ولكني سأبدأ بما طرح في الساحة السياسية مؤخرا وراج في وسائل الإعلام من رغبة البعض في وجوب تنحي سمو رئيس الوزراء فورا و«الآن» كما تفعل غالبا الإدارة الأميركية أثناء توجيه تلك الأوامر للرؤساء العرب مثل حسني مبارك والقذافي.
من يقول ذلك للأسف نواب في مجلس الأمة دأبوا على التصريح في كل مناسبة بضرورة التمسك بالدستور وجعلوا منه شماعة وذريعة لتبرير عملهم كنصوص الشريعة الإسلامية التي اتخذها أسامة بن لادن ذريعة ووسيلة لممارساته الإرهابية.
فكلاهما متطرف وفق معتقده ومرجعيته فلكل منهما كتابه وشريعته، ما يهمنا من هذه الأطراف هو الطرف الذي يحتكم للدستور ويطالبنا باحترامه وهو أول من يخالف دستوره ويضلل جمهوره، فلو احتكمنا للدستور كما ينبغي لنا أن نفعل دائما لوجدنا أن الدستور رسم طريقا دستوريا لإقصاء رئيس الوزراء وأي وزير عن منصبه فالأول عن طريق عدم التعاون والآخر عن طريق طرح الثقة ولا طريق ثالثا لهما، أما الدعوات التي تطالب برحيل رئيس الوزراء فورا والآن فهي بدعة دستورية أراد لها المضللون أن تكون سابقة سياسية تكون بعد ذلك سبة وعارا على الممارسة الديموقراطية وإلا ما حاجتنا إذن إلى الدستور ونصوصه إذا كان بالإمكان تنفيذ رغباتنا عن طريق التظاهر والندوات متى ما طالبنا برحيل هذا وإقالة ذاك أليس هذا التصرف هو خرقا للدستور وتقويض أركانه؟!
فإذا سلمنا بهذه البدعة وهي من السهولة لأي كان استخدامها فإننا لسنا بحاجة لمجلس الأمة وتكاليف ميزانيته الباهظة ما دام حل الأمور وإقرار التشريعات وممارسة الديموقراطية لا تحتاج منا سوى ندوة هنا ومظاهرة هناك ومن ثم يرحل رئيس الوزراء وتقر التشريعات المطلوبة، فأي منطق هذا الذي يردده نواب أقسموا على احترام الدستور والذود عنه بل انهم أطلقوا على أنفسهم كتلة «إلا الدستور»، نعم الأمة هي مصدر السلطات ولكن عبر أعضاء مجلس الأمة وفي مجلس الأمة لا في الشارع ولا في الساحات العامة.
فمثلما يكون وصول النائب للمجلس عبر صناديق الاقتراع فإن رحيل رئيس الوزراء لا يكون إلا بالتصويت على عدم التعاون معه عبر ذات صناديق التصويت ولكن في المجلس لا في غيره.
أما سلوك طريق غير ذلك فكما أسلفنا عاليا فانه تمرد وكفر بما أقسم عليه النائب وآمن به.
توجد لدينا ديموقراطية لكن لا يوجد في الواقع لدينا ديموقراطيون، وتوجد لدينا أدوات دستورية لكن لا توجد لدينا أخلاق دستورية كمن يدعي الإسلام واحترام القرآن وهو أبعد ما يكون عن ذلك رغم أن نزول الوحي قبل نزول الدستور بألف وأربعمائة سنة.
إن عزل رئيس الوزراء أو بقاءه مرهونان بالإرادة السامية لصاحب السمو الأمير وحده ولا شريك له في ذلك ما لم يتخذ المنادون برحيله ما أقرته شريعتهم الدستورية من وجوب اتخاذ الطريق الوحيد لعدم التعاون الذي لا ينازعهم فيه أحد، فأي ممارسة تخرج عن هذا النطاق فهي ممارسة شخصانية مناوئة للدستور وآدابه القصد منها تشويه صورة الخصم لإضعاف إرادته وهذا ما يسمى بالحرب النفسية لدى خبراء السياسة فنجاح هذا الأسلوب يؤدي لفقدان الشخص المعني شهيته في الاستمرار ومن ثم تنازله عن حقه الدستوري بالدفاع عن نفسه.
بل ان الحرب النفسية أو ضجيج الشوارع يريد بها ممارسوها التأثير على إرادة النواب الآخرين لكي ينضموا إليهم بإقناعهم بأن قواعدهم الشعبية تريد ما أراده كفرة الدستور، فمن أراد الرحيل فعليه خوض الميدان لا الهروب للشارع، والميدان هو قاعة عبدالله السالم حيث المواجهة الدستورية والديموقراطية السامية التي تنشدها الشعوب المتحضرة أما اللجوء لغير ذلك من الوسائل فهو تفريغ للدستور من محتواه والعودة إلى ثقافة الضجيج وأرصفة الشوارع التي انتفت الحاجة إليها بوجود المؤسسة الدستورية.
نقطة ضوء: خرج الشعب الكويتي في احتفالات اليوم الوطني وأعياد التحرير وعيد الجلوس من تلقاء نفسه مدفوعا بمشاعر حب ملتهبة فاقت الألعاب النارية توهجا واتسع مداها حتى بلغت عنان السماء حبا مدرارا كغيمة ماطرة خرج الشعب في الشوارع كسيل جارف من الضوء يجوب الطرقات حاملا صور صاحب السمو الأمير رافعا علم الكويت يغني ويرقص ويدعو الله ويبتهل أن يديم أمنه وعزه لهذا الوطن، تلك هي المظاهرات التي ينبغي على الجميع الاندفاع إليها وتلك هي المناسبات التي يجب علينا الاحتفال بها احتفالا يليق بكبرياء الوطن ومقامه.
[email protected]