قبل أمس قاد ثلاثة من النواب أطلقوا على أنفسهم شعار «إلا الدستور» مسيرة راجلة من الجمهور المتواضع تطالب بحل مجلس الأمة وسقوط رئيسه وعزل رئيس الوزراء وتكليف رئيس وزراء شعبي من خارج الأسرة الحاكمة بدلا منه.
هكذا وبكل بساطة، فكيف يستقيم الأمر لمن يرفع شعار «إلا الدستور» ومطالباته تخالف الدستور؟! ودعونا نقرب الصورة أكثر: هل بالإمكان دستوريا أن تقوم مجموعة من المواطنين بالمطالبة بعزل هؤلاء النواب الثلاثة عبر التجمهر في الميادين العامة؟! في الواقع لا يوجد أي مسوغ قانوني ودستوري لهذا الطلب، إذن ما هذه البدعة التي ابتدعها نوابنا الأفاضل وجعلوا منها سندا وتشريعا وسابقة نيابية بديلة عن الدستور الذي أقسموا على احترامه؟ أليس ذلك نكوثا في القسم وحنثا في اليمين وافتئاتا على الدستور يدخل بتهمة الانقلاب على نظام الحكم الدستوري الذي ارتضاه الجميع ورسم الطريق والخطوات التي من خلالها يستطيع النائب أن يعزل رئيس الوزراء بعد استجوابه وتوفير العدد اللازم لتوقيع كتاب عدم التعاون معه ويكون أمر إعفائه بعد ذلك مرهونا بقناعة صاحب السمو الأمير؟ أليس في ذلك مصادرة لحق الأمير وتجاوز على نص المادة (102) من الدستور؟
الأمر الآخر: كيف لأعضاء في مجلس الأمة المطالبة بحل مجلس الأمة لأنهم فشلوا في إقناع الأغلبية النيابية بتبني آرائهم والسير على نهجهم بالمخالفة للمادة (83) التي تقول إن مدة المجلس أربع سنوات ميلادية ولا يحل إلا بأمر سمو الأمير وفق نص المادة (107)؟ فكان حريا بهؤلاء الاستقالة بعد أن يئسوا من فرض قناعاتهم على زملائهم وفقدوا شهية الاستمرار في مجلس يزعمون أنه لا يليق بهم بعد أن اتهموا أعضاءه بتهم أقلها الرشوة وأكبرها خيانة الأمة، فكيف بعد ذلك يقبلون على أنفسهم الاستمرار في مجلس كهذا؟ علما بأنهم في وقت سابق تعهدوا بتقديم استقالاتهم، ألا ينبغي لمن يدعو لهذا الأمر أن يكون سباقا إليه؟ طيب.. لنعد لرئيس مجلس الأمة، فكيف يحق لهم المطالبة بإسقاطه ومن أي نص دستوري يستمد هؤلاء شرعية مطلبهم بالمخالفة لنص المادة (92)؟
لن أعيد نسخ مواد الدستور في هذه المقالة فهو في متناول الجميع ومن أراد إعادة قراءته فهو متوافر حتى في الجمعيات التعاونية إلا إذا كان لدى نواب «إلا الدستور» دستور آخر غير الذي عرفناه والمعمول به في مجلس الأمة منذ نصف قرن، ولكي تعم الفائدة دعونا نعيد القسم الدستوري الوارد في نص المادة (91) فقبل أن يتولى عضو مجلس الأمة أعماله في المجلس أو لجانه يؤدي أمام المجلس في جلسة علنية الآتي: «أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق».
وبإنزال مفردات هذا القسم الغليظ على ما طالب به النواب الثلاثة من حل مجلس الأمة وعزل رئيس الوزراء وإسقاط رئيس مجلس الأمة بالمخالفة لما ورد بالدستور الذي أشهدوا الله على احترامه، نجد أنهم ارتكبوا خطيئة الحنث في اليمين، وقد قال الله سبحانه وتعالى (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا).
[email protected]