خذوا الحكمة من أفواه الشحاذين فالاستماع إلى متسول حكيم أفضل مليون مرة من سماع سياسي أحمق أو مثقف أخرق، وما أكثر هؤلاء الحمقى الذين يتبعون المثل القائل «إذا أردت أن تُذكر فافعل خيرا أو منكرا» ولأن طريق الخير شاق وطويل فقد سلكوا طريق المنكر فهو أسهل الطرق وصولا للذكر والشهرة فكم في الكويت من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء، فهذا سياسي يدعو لحل مجلس الأمة وآخر يشتم غيره بينما هو يشكو منتقديه للقضاء، وهناك على الطرف الآخر مثقف بدأ من الحضيض وأخذ بالنزول إلى ما دون الحضيض يهرطق ويتمنطق دون أن تفهم منه شيئا فلا توجد لديه حقائق بل وجهات نظر تحتاج إلى إعادة نظر لغياب الرؤية وانعدامها في عقل غابت عنه الحكمة وسيطر عليه الهوى الجامح الذي استبد به وأحاله إلى فقاعة بلا مضمون ولا قناعة وما أكثر الفقاعات البشرية في هذا البلد التي تطفو على السطح وتتصدر الواجهات الإعلامية والاجتماعية، فإذا كانت موريتانيا تسمى بلد المليون شاعر فنحن بلد المليون فقاعة حتى وإن أصاب بعضهم في رأي فلا يعني ذلك أن ما يقوله المهرطق صحيح، فالساعة المعطلة تكون صحيحة مرتين في اليوم، فصوابهم غالبا رمية من غير رام وعلى أقل تقدير كلمة عاقل من رأس أحمق.
الملوثون بالسياسة يراهنون على غباء الجمهور بينما الجمهور أذكى مما يتصور الحمقى، ولا أقصد بذلك الجمهور المغيب والمخدر بإبر تمرجية السياسة الملوثة بل الجمهور النقي الذي يتبع فطرته السليمة ويستفتي قلبه وإن أفتوه دونما حاجة لوصاية فلان وعلان فهو قادر على معرفة المصمصة من (......)، يقود ولا يقاد ولا تؤثر فيه تلك الفذلكات التي يجيدها بياعو الكلام العاجزون عن تحقيق مشروع وطني أو حتى شخصي يستحق الاحترام، فحين يشبع الحمار يبدأ بالنهيق لذلك نجد أن ورش النقاش والجدل أكثر من ورش العمل فلا تجد زاوية إلا وفيها ندوة يحاضر فيها حكواتي شعارها «تعال معانا مش حتقدر تغمض عينيك» لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الحضور تطرح فيها قضية واحدة كثر حولها الجدل وهي: من الأول البيضة أم الدجاجة؟ وهكذا يستمر الحكواتي في سرد تنظيراته حول بداية خلق البيضة ولا جديد سوى مكان الندوة وبوفيه العشاء.
كنت استمع ذات مرة إلى أحد المثقفين الحكواتية في ندوة دعا إليها مثقف آخر من نفس فصيلته وكانت على ما أذكر في عام 2002 وكان الحديث عن صدام حسين وخطورة وجوده في السلطة على العراق وعلى دول الجوار، فعندما تحدث ذلك المهرطق شرق وغرب بمصطلحات مهجنة نصفها عربي والآخر أجنبي إلى أن قال «لابد للمجتمع الدولي بدلا من استخدام القوة ضد العراق أن يحاول أنسنة صدام حسين «لم أفهم معنى الأنسنة وماذا يقصد به؟ فلما فرغ من محاضرته سألته فقال «ان الأنسنة تعني معاملته حضاريا حتى يعود إلى طبيعته الانسانية» فقلت هل يعني ذلك أن الحل هو أن يتعامل الكويتيون مع صدام وفق هذا المبدأ؟ فقال «أعتقد أن هذا هو العلاج الحضاري لحل المشكلة» فقلت: يا خسارة الدولة التي صرفت عليك طوال دراستك للدكتوراه ويا خسارة الطلبة الذين تدرسهم في الجامعة.
لذلك ووفقا لهذا المبدأ يجب على الدولة أنسنة السياسيين والمثقفين الحمقى والتعامل معهم بأسلوب إنساني لعل وعسى أن يعودوا إلى طبيعتهم البشرية.
[email protected]