قلب المرء مخبوء تحت لسانه ولكن اليوم لم تعد للقلوب مخابئ ولا حتى للمخابئ أسقف ولا جدران، فكل قلب بات يمارس حرية التعري وكل لسان اصبح كثعبان هندي يتراقص امام الميكروفونات دون خجل وكلما زاد التصفيق والصفير زاد التواء وامتدادا، ومن محاسن «الآنسة الحرية» انها وفرت علينا عبء التكهن بما يضمره الاخرون، وقد صدق من قال: «ما اضمر احد من شيء إلا ظهر في فلتات لسانه او صفحات وجهه» وكم من لسان فالت ووجه باهت كشف عما يضمره صاحبه دون عناء او مشقة سؤال.
والمتابع للندوات السياسية التي يقيمها النواب يكتشف ان الامر تعدى حدود النقد المباح لصاحب الامر وصارت احاديثهم عبارة عن مشاعر تنم عن بغض دفين ونوايا خرجت من دائرة النوايا الى دائرة التطبيق الفعلي والتهديد بالعمل الميداني فيما لو امتنعت السلطة عن تنفيذ ما يطالبون به، بمعنى ان الاقوال كوسيلة للتعبير ليست كافية بالنسبة لهم، انما الافعال هي التي ستحسم الامور لصالحهم.
وقد اعلن البعض صراحة انه في حال تعديل نظام الانتخاب الحالي فإن الدعوة لاسقاط مجلس الامة القادم هي الخيار الاستراتيجي، لانه بحسب دستورهم الشخصي مجلس غير شرعي وهذا ما اجمع عليه النواب السابقون في ندواتهم، وهذا الهدف بالطبع يقتضي القيام بأفعال غير مشروعة شبيهة بقيامهم باقتحام مجلس الامة السابق واحتلاله فترة يسيرة من الوقت، وقد استجابت لهم السلطة حين ذاك فتم حل المجلس ورحيل الحكومة ورئيسها، وقد كانت هذه الاستجابة من السلطة بمثابة إقرار منها بعدالة مطالب المعارضة مما ساهم في ازدياد شعبية المعارضة وتعاظم ثقة المواطنين بمطالبها، وهذا الامر مهد الطريق لوصول المعارضة باكتساح الى مجلس 2012، لذلك مازالت المعارضة تحظى بثقة وافرة في الاوساط الشعبية نتيجة تحقق مطالبها كلما ازدادت اصرارا على تحقيقها باعتبار ان رضوخ السلطة واستجابتها لهم امر حتمي في نهاية الامر.
وهذا التراجع الحكومي المستمر خلع من الحكومة هيبتها وافقدها ثقة الشعب بها وبمبادراتها واصطف الناس خلف المعارضة كونها صاحبة اليد العليا والفكر الراشد الذي يعلو على الفكر الحكومي ولم يعد هناك من يثق بمواقف الحكومة سوى بعض الذين تأخذهم عليها الشفقة او اولئك الذين يناصبون المعارضة العداء من منطلقات شخصية او مصلحية، ولا شك ان المعارضة بالمفهوم العام ليست على الدوام على خطأ وليست ايضا على الدوام على حق، وبات المواطن في حيرة من امره: هل يراهن على حكومة اعتادت خذلانه في كثير من المواقف ام يراهن على معارضة نجحت في المواجهة اكثر من مرة ولعل اخرها المواجهة التي شهد لها القاصي والداني بحل مجلس امة قائم وخلع رئيس حكومة قوي؟! وبما ان الاحداث الحالية تشبه الى حد كبير احداث مجلس 2009 فإن خطابات المعارضة بدت تعلو الى حد تجاوز عنان السماء فخلعت بخطابها السقف وهدمت الجدران وتجاوزت الخطوط الحمراء، بل زادت الى حد التحدي والمواجهة لشخص مَن ذاته مصونة لا تمس، ولا ندري ماذا تخبئ لنا الايام من مواجهة، وما ادراك ما المواجهة؟! اما سيادة المعارضة او سيادة السلطة.
[email protected]