الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر مستهلك في العالم للمخدرات والتي تأتي بشكل غير مشروع من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور.
ومنذ عام 1950 والولايات المتحدة لم تستثمر في قطاع الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، وتنفيذ القانون على الحدود والحد من التهريب والهجرة غير الشرعية وإجراء دورات تدريبية في أميركا الوسطى، مما أدى إلى انتشار العنف وعدم الاستقرار هناك، في ظل حرب باردة يمارس فيها كل طرف ألاعيب مختلفة ضد الآخر. كذلك غياب منظمات المجتمع المدني وعدم قيام حرب عالمية ضد المخدرات وكل ذلك أفسح الطريق أمام الفوضى والقسوة والعنف مما أدى إلى هروب الأطفال من هناك إلى أماكن تمثل لهم ملاذات آمنة.
وفي الآونة الأخيرة وبسبب تلك الضغوطات عبر ما يقارب 57000 ألف طفل يتجاوز الحدود الأميركية المكسيكية، مما يعطي مؤشرا على أن هناك خللا في بعض السياسات الخارجية للولايات المتحدة في ذلك الجزء من العالم. في حين أن الديموقراطيين والجمهوريين في غياب واضح وتام عن ذلك الأمر، وهم في شجار في أروقة الكونغرس وكأنهم طلبة مراهقون في ساحة المدرسة.
الموجة الحالية من الهجرة من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور للولايات المتحدة الأميركية تمتد جذورها إلى ما يقرب من ستة عقود مضت من سياسات واشنطن الخاطئة التي ينفذها أعضاء الكونغرس من كلا الطرفين.
وكل المؤشرات اليوم في أميركا الوسطى تقودنا إلى أن الوضع سيرجعنا إلى 1954، حيث تمت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية وانتخاب الرئيس جاكوبو أربينز. وهو زعيم شعبوي أوجد برنامجا لإعادة توزيع الأراضي والهدف منه مساعدة عدد كبير من المزارعين الذين لا يملكون أرضا، إلا أن ذلك البرنامج بلغ طريقا مسدودا لأنه ضد مصلحة الشركة الأميركية التي تمتلك تلك الأراضي الصالحة للزراعة في غواتيمالا، وأدى ذلك أيضا إلى أن المخابرات المركزية الأميركية ساعدت في تدبير انقلاب على أربينز والإطاحة به وبقيت غواتيمالا لعقود من الزمن تعاني من عدم الاستقرار الحكومي والحرب الأهلية.
وهذا يبرهن لنا على أن الولايات المتحدة الأميركية تخوض حروبا خفية من أجل مصالحها كما هو الحال بالنسبة للحرب الطويلة التي خاضتها غواتيمالا ضد يسارييها والتي ترعاها واشنطن، كذلك الحرب الطويلة في السلفادور مع الجبهة اليسارية وأيضا جهود مكافحة التمرد في هندوراس من اليساريين. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئا، فإنه يبين لنا أن الولايات المتحدة تتحالف مع الشيطان نفسه لصون وحماية مصالحها، حتى لو كان ذلك يعني إجراء الانقلابات في تلك البلدان وزعزعة الاستقرار.
لذا نجد اليوم غواتيمالا وهندوراس والسلفادور ما هي إلا أماكن محفوفة بالمخاطر المروعة. ويتلمس المتتبع وجود العديد من ردود الأفعال ضد تلك الهجرة غير الشرعية من قبل حزب الشاي والكونغرس الأميركي مما يعكس قوانين الهجرة الصارمة من أجل حماية الأمن القومي للولايات المتحدة مما جعلها تسرع بترحيل هؤلاء الأطفال إلى بلدانهم المحطمة.
وبالتالي ساهمت الولايات المتحدة بسلوكياتها السابقة من أجل مصلحتها في انعدام الأمن وزعزعة استقرار تلك البلدان مع انعدام وجود شيء يذكر لمجتمع مدني. لذا على الولايات المتحدة أن يكون لديها واجب أخلاقي لمساعدة أميركا الوسطى، بل ويقع الكثير من اللوم على واشنطن كونها ساهمت بشكل رئيسي في توتر الوضع الحالي هناك.
وأخيرا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل إيجابي مع الشركاء الإقليميين لإعادة بناء هذه الدول.