إن الجزم في تنظير قضايا المجتمع المستجدة هو قدر الفكر الأوحد الذي يمتلك الحقيقة ويتفرد فيها، ولا يشوبه أدنى شك أنه أقرب إلى الصواب من غيره، وأنه لا مجال للنقاش وتفنيد الأمور، فهو «فلتة زمانه» وكفى، إذ لا إضافة ولا تعليق ولا حتى نفس!
التاريخ لا يكون تاريخا إلا بأحداثه وهي لا تنفك أن تكون أفعالا وردود أفعال يسخر الله من يسخره لبيان الفساد أو الإصلاح في هذه الأحداث. ولا نفتأ أن نصلح أمرا إلا والآخر ينتظر من يشمر له ويبدأ فيه رصدا وتنظيرا وعلاجا. وما نحن إلا أشخاص نزكي ما اؤتمنا عليه من العلم والخبرة لنكون أجدر في تلمس حاجة المجتمعات ورصد حراكها الفكري.
نعيش الآن زمن «الالتواءات» الفكرية، فالأخبار والمواقع الاجتماعية تشهد لنا بذلك، ما أقصده أن المجتمع أصبح يبالغ في معارضته أو تأييده لقضية الساحة وحدث الشارع العام، وصار من النادر أن نجد المحايد، المفند، والحريص على تقصي الحقائق والرؤى المستقبلية، لذا صار من الوارد أن نجد الباحث عن التصفيق والشهرة لعبارة قد سجلها باستماتة لرأي واحد ورأى الحق كل الحق برأيه. من المؤسف أن نقف على سطح القضايا ونكتفي بالتأييد والمعارضة، ما نريده هو أن نتفاهم ونتحادث عما وراء التأييد والمعارضة، وعن الميزات التي قد تحدث إن أيدنا والمحاذير التي قد تقع إن عارضنا، لا نريد رصدا عقيما لا علاج فيه ولا رؤية.
أقول ان «قيادة المرأة السعودية» و«دعوة منال الشريف» قضية بحد ذاتها وفك أجزائها قضية أخرى، إن النظام لا يكون نظاما إلا إذا نظم السير والعمل، فإن كان النظام يقتضي منع المرأة من القيادة فهناك دعوة قد تقتضي نظاما أدق وأشمل. قضية المرأة في السعودية قضية نظامية، مجتمعية وشرعية تحتاج منا للالتفات ومن كل متخصص في تلك المجالات، لا جدال على النظام ولا إقصاء للمجتمع وأعرافه، ولا يحكم العرف ولا يعيش النظام إلا بتوليفة شرعية تضمن الحقوق وتحقها.
[email protected]