أتذكر تماماً كم من الجهد كنت أبذل حينما نويت أن أختم القرآن قراءة في رمضان، كنت في الابتدائية حينها، وكلما استيقظت فجرا لأقرأ اليسير يتمالكني التعب، وأغفو لأقرأ مرة أخرى عصرا، وليلا قبل المنام، كنت أحذو حذو والدي، وهو من كان يحضر لنا وعودا محفزة إذا ما ختمنا القرآن في رمضان.
هكذا كانت بدايتنا في القرآن، نحفظ اليسير جدا، نتعب في أقل من جزء، وفي كل رمضان تزداد قدرتنا ويبارك ربي في قوانا.
كان لديّ في صغري ثوب أبيض وسجادة رمادية، لا أنسى أبدا اصطفافي بجانب والدتي لتأدية الفروض ومن ثم النوافل، كنت إذا ما أردت شيئا ودخلت على والدتي لمناداتها في الغرفة، فإني لا أفتأ عن مراقبتها، وملاحظة تعابيرها أثناء تأديتها للصلاة، كنت أريد أن يحدث ذلك معي، وأن أحقق ما يسمونه الخشوع، وأن أستشعر السكون وقت أذكار الصلاة كما كانت ابنة عمي عايشة تفعل.
حاولت وحاولت، تمنيت أن أرى الفتح، أن أعي كلمات الفاتحة، وأفهم معنى الصلة بالخالق، وعسى ربي أن يحقق لي ذلك.
كبرت وكبرت، ولازلت في كل رمضان أجد شيئا في قلبي لم أكن أدريه في الرمضانات السابقة.
هكذا هي أعمارنا تمضي في محاولاتنا للظفر بالراحة، بالسكون، بالرضا، وفي كل رمضان ندعو أن يهبنا ربي القدرة على المضي في الصراط المستقيم، والتوفيق في الدنيا والآخرة، وأن يكتب لنا الخير، أينما كان وحيثما كان.
هكذا لكل منا تاريخه في المحاولة، أيامه في الجهاد مع ذاته، لحظاته في القرب من الله، وكل سنينه تلك وأعوامه لن تذهب هباء منثورا فهي مكتوبة محفوظة ستشفع يوم نورد على الحوض، ونمشي على الصراط، ويكتب لنا الخلد الأبدي لمصائرنا نحن البشر.
حينها ستتذكر طفولتك، مراهقتك، شبابك وشيبك، جعلنا الله من المتقين.
[email protected]
twitter@shaika_a