لا بد وأنك في حياتك قد وقعت تحت ضغط كبير، أكبر مما كنت تتوقع أنك تحتمله، لا بد وأن الدنيا قد ضاقت بك، ووجدت حزنا في نفسك متجددا، بتجدد معاناتك مع هذا الضغط الأليم. لا بد وأنك ذقت طعم البؤس حينما فكرت أنه لا مفر، ولا أمل، وليس هناك ثمة فرصة للتحسن. أصدقك القول إنني أتحدث عن تجربة مررت بها، وكما عودت نفسي أن أكتب التجربة الأليمة، كخبرة أستفيد منها وأستفيق، أنا هنا لأكتبك.
حينما أنجبت طفلتي الثانية، بدأت المعاناة المتواصلة، جاءتني أيام أليمة وصعبة، وجاءتني أيام ماتعة ومتعبة في الوقت نفسه، وإلى هذا اليوم الذي أكتب فيه عن هذه التجربة أناضل من أجل الصبر الجميل، ذلك الشيء الذي لم أعرفه من قبل كما وجدت صعوبته، جمعت بعض الزاد من هذه الأيام وقدمت منها محاضرة عن «إدارة الضغوط» ولم تكن المحاضرة للجمهور بقدر ما كانت لنفسي أساسا، أرتكز عليه لئلا أنسى أن هذا الضغط زائل لا محالة.
طفلة جديدة، تختلف تماما عن أختها الأولى، وتحتاج لمعارف جديدة تختلف عن أمومتي السابقة، طفلة تعاني من الارتجاع المريئي وصعوبات في النوم ومواصلته، طفلة أتعبتني وأرعبتني وجعلتني أفكر في أشياء لم يسبق لي أن فكرت فيها. طفلة وهبتني إيمانا أعمق بأن الصبر على أقدار الله نعمة عظمى يهبها الله رزقا لعباده، فيدخلون بها لجنة الدنيا، تلك التي ذكرها بن تيمية حينما قال: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.
أنا أعرف مسبقا هذا القول لهذا العالم الجليل، وأعرف أن الصبر عزيز كما أن الرضا أعز، ولكن الذي هزني من الداخل، ولأول مرة أفكر به، هو أننا قد ننسى ونغفل أننا حينما نعاني ونفقد الأمل ونيأس من قرب الفرج فنحن نبتعد عن جنة الدنيا ولأننا بعيدون عنها سنبتعد عن جنة الآخرة! إن الحال كله في القلب، فهل قلبك سعيد بقدر الخبير؟ أم أن الدنيا حوطتك بذراعيها فصرت لا ترى إلا إياها؟
لكل مقال نكتبه داع ودافع، ها انا حينما اسمع بوفاة المنشد مشاري العرادة - رحمه الله - الذي أنشد «فرشي التراب» يقشعر جسدي لمعنى الموت، معنى المآل، معنى الجزاء، ومعنى الجنة، جنة الدنيا تلك التي تكون بقلبك قبل أن تكون بمقتنياتك وبيتك. إن الأثر الذي تركه رحيل هذا الشخص، قد أثار في نفسي لفتة، آمل أن تجد مساحة عندكم فتبحثون جيدا عن جناتكم في الدنيا، تلك التي توصلكم لجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
[email protected]
Twitter @shaika_a