من الاتجاهات الحديثة وليست بحديثة في الأصل، حرص الأسرة على رطانة أبنائها، تلك العادة التي نراها اليوم مقتحمة حياتنا الاجتماعية بقوة لأجل التمدن، ومواكبة العصر والزمان.
والرطانة هي أن تستخدم مصطلحات لغة ثانوية (أعجمية) تدمجها مع لغتك الأصلية العربية، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الرطانة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما – قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق»، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم: فإن السخطة تنزل عليهم». فنجد اليوم الآباء والأمهات وبالأخص الشباب، يحرصون على تنشئة أبنائهم الصغار على الرطانة بشكل قوي، وإنفاق أموال طائلة من أجل اتقان تلك اللغة، دون الاهتمام باللغة العربية واهمال ترسيخ مفاهيمها في ذهن أبنائهم، فهي لغة القرآن الكريم، وعزنا ومجدنا وثقافتنا، فنجد الفرد ينشأ يميل للغة الإنجليزية أكثر من العربية، حتى وصل الأمر الى أن الكثير لا يعرف قراءة القرآن الكريم، ولا حتى الكتابة باللغة العربية بشكل جيد، وعليه يتم التفاخر والتباهي بأن الفرد منهم يتقن اللغة الإنجليزية عن العربية.
ونلاحظ ذلك في الزيارات العائلية، والمناسبات والأسواق، الآباء والأمهات يخاطبون أبناءهم باللغة الإنجليزية، بحجة ممارسة اللغة الإنجليزية حتى تتقن، دون التركيز على لغتنا العربية، وبالأخص مخارج حروفنا وتعبيراتنا اللغوية التي باتت خطأ، ولها أثر كبير على ثقافتنا واتجاهاتنا ومفاهيمنا، فالكثير منها تمت التوعية بشأنها بأنها من الخطأ اللغوي الذي بات متوارثا عبر أجيال، والبقية عائمة في قاموسنا اللغوي دون أدنى وعي منا أو التأمل في مخارج الحروف والكلمات ما بين الصح والخطأ، وذلك من الأهمية والضرورة الملحة التي تقع على عاتق كل من الأسرة والمدرسة، حتى ننهض برقي المعيش ورقي التفاعل الاجتماعي والرقي الفكري.
فأي فكر تعيس نعيشه اليوم؟! وأي مجتمع متحضر نام راق نعيش فيه؟! فتدني الأخلاق وتدني الفكر، والتعاسة الاجتماعية، كلها أمور متمكنة من نفسياتنا العربية الإسلامية اليوم، والدليل الاستعمار الفكري الغربي الهجومي المتمكن الذي نعيشه، ولولا ضعف الفكر العربي الإسلامي للأمم النائمة، لما تمكن الاستعمار من تحقيق أهدافه بسهوله ويسر، فلو كنا أصحاب مبادئ قوية مرسخة، متمسكين بعقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا بشكل قوي، غارسين ذلك في أنفس أبنائنا بشكل صحيح وقويم، لما وصل العالم العربي اليوم الى ما وصل اليه من تدهور فكري.
فعملية التعليم كلغة ثانوية، شيء مهم في وقتنا المعاصر، نهتم به لأجل التعلم، والمعرفة، والتحاور والتخاطب مع أجناس حول العالم، ولكن لا يعني ذلك أن نحل مصطلحات تلك اللغة محل مصطلحاتنا العربية، وهذا ما يقودنا إلى الرطانة التي هي سمة فشل وتخلف وليست تمدن، فثقافة الفرد ورقيه وعلو شأنه تكون بما يمتلكه من علم وثقافة وفكر ومعرفة وسلوك صحي قويم يعكس شخصية ذات طابع نفسي اجتماعي فكري صحي سليم، فالحرص والتركيز على تعلم اللغة الأم (اللغة العربية) أفضل قوة فكرية تخاطبية راقية تنمي العقل بشكل إعجازي، وهي سمة تفتقرها لغات العالم أجمعها، فيكفي أنها لغة القرآن الكريم المنزل من السماء، فاللغة العربية كنز بين أيدينا يحتاج إلى استثمار.
e-mail: [email protected]
twitter: @family_sciences