الطفل المشاغب، وبذيء اللسان ظاهرة متعبة ومفهومها قليل، حيث ان الطفل طينة طرية تتشكل تلقاء تشرب المعطيات الوالدية، أي ان الطفل نتاج تفاعل الوالدين معه والبيئة المحيطة به، ولعل الكثير من الأمهات والآباء يشتكون من سلوكيات أبنائهم غير المرغوب فيها، والتي تضعهم في دائرة الإحراج أمام المجتمع، ولعل البعض يذهب الى استشاري سلوك طفل من أجل تعديل تلك السلوكيات المرهقة.
والطفل مشاعره تلقائية وعفوية، وردود أفعاله العنيفة تعني 3 أمور: أولا: اما ان تكون ردة فعل للدفاع عن النفس، أو إثبات وجود نتيجة إهمال جانب نفسي لديه، أو إنذار عن اضطرابات نفسية وقلق، ومن النقاط المهم معرفتها ان لكل طفل حالة تختص به باختلاف البيئات والمتغيرات الاجتماعية المحيطة به.
وأكرر ما تكرر في مقالاتي التربوية السابقة، ان الشراء والنزه والهدايا والحفلات ووسائل الترفيه للطفل لا تعني الاهتمام به إطلاقا وإنما هي تعد جزءا لا يتعدى نسبة 10% من احتياجات الطفل النفسية، وإنما يكمن السر في (العلاقة الإيجابية) بين الطفل ووالديه، والتي تشكل الجزء الأكبر من احتياجاته النفسية لبناء قوامه الاجتماعي والنفسي المتزن، ولعل تلك العلاقة هي من الأمور المهملة في العلاقة الإنسانية بين الآباء وأبنائهم، وذلك نتيجة الانشغال الدائم للوالدين تحت سقف الحياة المعاصرة، والثقافة المجتمعية التي لا تتغير ولا تنمو للأفضل عبر السنين.
ومن الملاحظ ان الوالدين يكمن تركيزهما في تصحيح السلوك الخاطئ فقط، ولعل الكثير يكون توجيههم بانفعال، وهو ما يقلق الطفل اليوم بشكل كبير، حيث إنه يفتقد المشاعر العاطفية في المدح والشكر والثناء والقبل والأحضان والرفق في معالجة الأمور... وغيرها من المشاعر التي تلعب دورا بنسبة 90% في تهذيب سلوك الطفل، وتهدئة روعه وقلقه في عدم اكتمال فهمه للمحيط الذي يعيش فيه، فالانفعال السلبي تجاه الطفل بالشتم والتحقير والضرب أو وسائل التخويف والصراخ كلها لا تجدي نفعا، بل بالعكس تزيد من خطورة الأمر.
والقرآن الكريم يعالج تلك الفئات المجتمعية باختلاف أعمارها وطبقاتها الاجتماعية، وأول شيء يوجه بصيرة الفرد في العلاقات الإنسانية، هو الرفق والحلم والتسامح، ونجد تلك المصطلحات مكررة بشكل كبير من قبل العزيز العظيم في كتابه الكريم، فالله عز وجل يحب من العباد أن يتسامحوا ويغفروا ويرحموا ويرفقوا، كما هو يغفر ويسامح ويرفق بالعباد، ويقول عز وجل في محكم كتابه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران 159)، ففي الآية الكريمة أخلاقيات كثيرة وعظيمة يجب على الوالدين ممارستها مع أبنائهما، حيث يوجه القرآن الإنسان إلى ضبط انفعالاته واتزانها لقوله عز وجل (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (آل عمران: 134)، فلانفعال يشوش على العملية التربوية بشكل كبير، ويشتت الذهن، فينبذ القرآن الانفعال وغلظة القلب، ويدعو إلى الرفق في المعاملة، وإلى الإشباع العاطفي الذي هو أساس الاستقرار والأمان النفسي لدى الطفل، ومن الأمور العلاجية التي يوجه القرآن الكريم اليها في معالجة السلوك غير المرغوب فيه عند الطفل هو التكرار، فتكرار الكلمات الإيجابية على الطفل من دواعي صناعة قلب سليم وفكر سليم لقوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (الذاريات: 55)، فالتكرار علاج لجميع الفئات العمرية في توجيه السلوك الإيجابي، فما بال الصغير؟ وكذلك من الأمور العلاجية المهمة التي يحث عليها كتاب الله العزيز القدير، سأستكمالها معكم في مقال الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى.
e-mail: [email protected]
twitter: @family_sciences