إن الأسرة هي عبارة عن مملكة صغيرة قائمة على أربعة: الأول (المودة والرحمة أي العاطفة بين أفرادها)، والثاني (التسامح والعفو أي الضبط الانفعالي فيما بين الأفراد)، والثالث (النظام ويكون بالانضباط في العادات والتقاليد والقوانين المعيشية تحت مظلة العقيدة الإسلامية)، والرابع (التكرار في التفاعلات الاجتماعية من لقاءات وتبادل العطايا أي تكرار ما به خير لتلك الأسرة من قول وفعل).
فإن أخلت الأسرة بواحد من هذه الأسس فسوف تتعرض لكم من المشاكل الاجتماعية، ولربما تصل لمرحلة التصدع الذي يؤهلها للتفكك والانهيار.
ويضرب الله الأمثال في محكم كتابه الكريم بقوله: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) (العنكبوت: 41)، إن بيت العنكبوت من أحط وأبأس البيوت وذلك لانعدام الترابط الأسري فيه، فالعنكبوت الأنثى تغدر بالعنكب الذكر بقتله والاحتفاظ بجثته كوليمة لأولادهما، بينما الأولاد بعضهم من يغدر بالأم والبعض منهم يغدر بالأب والبعض الآخر يغدر ببعضه البعض وذلك بافتراسه وأكله، وكما هو الحال للضيوف أيضا، فيتميز مجتمع بيت العنكبوت بالخداع والغدر والأنانية والظلم.
وللآية الكريمة السابقة حكم ومواعظ كثيرة وكبيرة لأسرة مستقرة وآمنة ومترابطة، فالأسرة التي تمشي تحت مظلة الدين الإسلامي وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام فإنها تكون في رعاية الله ورضوانه، والعكس صحيح، فلا ترابط أسريا دون رحمة وتسامح وستر وحياء وأدب وأخلاقيات اسلامية ترتقي بتلك الأسرة وتجعلها في القمة كمثال رائع يقتدي به الجميع.
وما يحدث اليوم في بعض الأسر من تفكك وانهيار وضعف، يجعل من تلك الأسرة فريسة للأعداء والدخلاء وسهولة استمالة أفرادها للانحرافات الاجتماعية بأنواعها.
حيث ان الترابط الأسري يعتمد على مدى الترابط بين الزوجين وسعادة العلاقة فيما بينهما، وعليه تبدأ العملية من الأم لكونها هي المسؤول الأول والمباشر عن البيت والأبناء وذلك بإثراء مشاعر الحب والرحمة بتعليمها وتشجيعها لأبنائها على الترابط والتواصل والتعاون فيما بينهم، واحترام قدسية التواصل فيما بينهم، ووقار الأب وهيبته، ومن ثم الراعي الكبير الأب (الراعي الأول) عن رعيته والحريص على تماسك أسرته بحبه واخلاصه واحتوائه للزوجة والأبناء، وذلك عن طريق الإنفاق واثراء وجوده الدائم معهم، ومشاعر الحب والتعاون والاحتواء، وعليه تلقين ذلك للأبناء منذ الصغر وتعليمهم أصول صلة الرحم لترتقي نفسياتهم عند الكبر بقوة الترابط والتلاحم فيما بينهم، إلى جانب تعليم الإناث السلوكيات الأنثوية الصحيحة في التفاعل الأسري، والذكور يتعلمون السلوكيات الرجولية في التفاعلات الأسرية.
ودائما السنة النبوية المطهرة تحث على الترابط الأسري، لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: «فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر» (أي زيادة في العمر)، ويقول عليه الصلاة والسلام: «اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطى أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وقوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
فالأسرة هي نواة المجتمع فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع، اللهم اجعل لنا من أزواجنا وأبنائنا وذرياتنا قرة أعين.
e-mail: [email protected]
family_sciences@