من المتعارف عليه أن البيروقراطية تعني «تنظيم إداري ضخم يقسم الأعمال ويوزعها على شكل واجبات رسمية على الوظائف ويتم تنظيم العلاقات والسلطات بينها بأسلوب هرمي لتحقيق أكبر قدر من الكفاية الإدارية لإنجاز أهداف التنظيم»، ولكن ذلك التنظيم له مساوئ كثيرة نجدها واضحة المعالم في المجتمع الإداري بمختلف القطاعات والتخصصات وهو إهمال الجانب الإنساني في التعامل مع الموظف حيث كل مسؤول يجد نفسه السلطة في إصدار القرار دون تراجع أو فهم مسبق أو تشاور، وذلك يعد طمسا لخلق التواضع الذي هو من سمات القائد الناجح بعيدا عن الاصطناع في الأمر، كذلك تركز سلطة اتخاذ القرارات في يد مجموعة من القادة والرؤساء في الإدارة العليا دون دراسة مسبقة لأوضاع الإدارات الصغرى وأصحاب الشأن، مما غلغل الديكتاتورية في العمل واتخاذ القرار، أيضا الالتزام بذلك النظام يقود إلى آثار ونتائج غير مرضية مناقضة للكفاءة، ومؤدية للجمود وإحباط الفكر والعمل الإبداعي للفئة العاملة والتي تهدف للإصلاح وتحقيق الأهداف لصالح العمل والدولة.
وما سبق فإنه نظام يتناقض مع نظام الإدارة من منظورها الإسلامي المقتبس من القرآن والسنة الشريفة، والتي تنص على الاستفادة من جميع القواعد الإيمانية والجهود الإنسانية لتحقيق أكبر قدر من الإنتاج على أعلى مستوى من الإتقان في أقل وقت ممكن، مع غرس فكر العمل المنتج للمجتمع عبادة، حيث تتسم الإدارة الإسلامية بالكفاءة والجدارة والأخلاقيات السامية ومبدأ الشورى، كذلك الاهتمام بالحاجات النفسية والروحية والمادية للفرد، كما تتسم بأهم المميزات إعطاء الفرص للجميع وعدم احتكار الفرصة في تقليد المناصب لفئة معينة ولفترة طويلة من العمر، والتي تحبط فرصا لطاقات وكوادر بشرية نشطة وذات أفكار جديدة تساهم في التنمية والتطوير، كذلك الإدارة الإسلامية تعمل على اشباع الفرد ماديا ومعنويا ما دام الفرد يؤدي عملة بتفان وإخلاص وأمانة، لعل هناك الكثير من الطاقات الشبابية تعطي ما لديها من إبداعات من أجل العمل ولكن تحبط تلك الطاقة لأسباب ترجع لعدم مكافأته في اعطائه الفرص في وظيفته التي تشبع طموحاته المادية والمعنوية من جانب، والمشاعر السلبية من غيرة وحسد وكراهية عند البعض، والعمل على تقدم المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة، وهناك الكثير من الأمور المتعلقة بالنظام السائد في العمل الإداري الذي خلق مجتمعا بليدا ـ متسيبا ـ فاسدا ـ غير مبال ـ محبطا ـ جامدا ـ بطيئا ومعقدا في اجراء المعاملات.
فهناك الكثير من الأفكار الإبداعية الجديدة، التي تفيد في وضع استراتيجيات من أجل العمل الإداري للأفضل، والتي تعيد صياغة العمل الوظيفي للأفضل بنشاط وحيوية ومرونة أكثر والمتناسقة مع ثقافة مجتمعنا ونفسيات أفرادنا.
إن وطننا العربي الإسلامي في حقبة زمنية مضت كان يفوق العالم الأول بمفهومة الحاضر بالكثير من حيث العلوم والتكنولوجيا والأخلاقيات والقوة والحضارة الراقية، وسبب ذلك يرجع لقوة القادة فكريا والتي كانت متبلورة من الفكر الإسلامي القرآني ونهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما قل الوازع الديني واختلطت الثقافات وطالت أيدي الأعداء مجتمعاتنا، ومن ثم لعب العدو لعبته ونحن نائمون، أصبحنا نغرق بالجهل والجمود الفكري إلى أن تراجعت تنميتنا وثقافتنا وأصبحنا عبيدا للاستعمار الفكري الغربي في تقليده في كل شيء واقتباس مناهجه ونظرياته وتطبيقها على مجتمعاتنا دون علم أو دراسة خاصة بنا مسبقا، مما خلف التناقض والفوضى والتضارب والفشل في جميع جوانب حياتنا.
[email protected]
family_sciences@