«النظام» هو عبارة عن سلوكيات ومفاهيم ومبادئ حياتية ينتهجها الفرد دون تخاذل أو تهاون طبقا للشريعة الاسلامية المستمدة من القرآن والسنة في شؤون حياته كلها، أما الغيرة فهي ذلك الخلق المحمود الذي يجبل عليه المؤمن بالاعتدال حيث تستقيم معه الحياة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه». رواه البخاري.
فالنظام يعلم الغيرة.. كيف؟ إن الغيرة فطرة في الإنسان وحتى ينشأ الفرد على مفاهيمها وتقويمها في سلوكة ومحاكاتها في نفسة لا بد من اتباع نظام في حياته، إن الكون أسس على نظام دقيق ومحكم من خالق مبدع عظيم ولولا ذلك النظام لما تمكن هذا الكون بالدوام على الدقة والانضباط المسخر للأرض والبشر، والبشر جزء من هذا النظام ولولا النظام في الحياة لما تمكنت الأسرة من غرس مفاهيم كثيرة في نفوس أفرادها.
والغيرة المحمودة لها فوائد كثيرة منها صون الأعراض – رسوخ قوة الإيمان في القلب ـ مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية والأنوثة الحقيقية – حفظ الحرمات ـ محاربة الفتن... إلخ.
وعليه، ألا نلاحظ أننا في زمن الفتن قد اختلط الحق مع الباطل والصح بالخطأ، والمفاهيم عائمة والانحدار الأخلاقي متفحش والفكر ملتوٍ، وجميع ما سبق سببه فقداننا للنظام العام الذي كنا نلتمسه في صغرنا من خلال العادات والتقاليد والأعراف... والنظام يكون في أمور بسيطة لعلها ألغت أهميتها في وقت ضياع الهوية العربية منها التجمع وقت وليمة الطعام – تحديد أوقات الخروج والدخول للمنزل ـ تحديد أوقات النزه والخروج مع الأصحاب ـ احياء صلاة الجماعة داخل المنزل وخارجه ـ الحوار المتبادل بين أطراف الأسرة ـ حدود اللباس للصبي والفتاة ـ عدم خروج الفتاة أو سفرها إلا بمحرم ـ منع تأخر أفراد الأسرة عن ساعة دخول رب الأسرة المنزل ـ الحفاظ على نظر المحارم وسمعهم من خلال اللباس المحتشم داخل المنزل وانتقاء الكلمات الراقية في الحوار...
تلك الملاحظات التي لم يأبه لها الكثير من الأسر الكويتية للأسف هي سر النظام التربوي للأسرة الصالحة وهي سر صلاح الأبناء من بعد الدعاء لهم، وهي سر رقي الأسرة وجعلها صالحة لإنتاج أجود الأفراد نفسيا واجتماعيا، فالنظام العام للأسرة يغرس في نفوس الأبناء الكثير من القيم التي تكفل تعلم ومحاكاة مفهوم الغيرة في نفوسهم.
فاليوم أصبح رب الأسرة لا يأبه لذلك النظام القائم على قوامته ومسك زمام الأمور، ولم تصبح ربة المنزل مؤهلة لتربية جيل قوي متزن فالتربية بالنسبة لها لا تتعدى «عيد ميلاد»، والأبناء اليوم كل على شاكلته، فالصبيان أصبحوا بليدي المشاعر فوضويي الفكر والسلوك اتكاليين، والفتيات كاسيات عاريات اهتمامات بالموضة وصرعاتها هائمات بالشوارع والمولات دون ضوابط وقيم تلقن ودين يحافظ عليه.
فالفوضى الحياتية الخارجة عن النظام الإسلامي في تنشئة أفراد الأسرة سبب كبير في الوقوع بالذنوب الكثيرة التي تكفل البعد عن الدين، يقول ابن القيم: «كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك» ويقول رحمه الله: «... ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله، والجنة حرام عليه، وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه له، فانظر ما الذي حملت عليه قلة الغيرة، ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه»، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه».
ومن بعد القراءة ألا يجدر بنا استرجاع نظام حياتنا حتى نتمكن من تربية أبنائنا على الغيرة التي تكفل لهم حفظ عرضهم ودينهم؟
family_sciences@
[email protected]