إن صلاح الإنسان له شأن كبير وفكر قويم ومنهج عظيم، وحقيقة صلاحه تكون في مفهومه الرباني الذي ينص على أن التربية من شأن الخالق والتنشئة التي تكون بعمليتي التلقين والملاحظة من شأن البشر، وذلك عن طريق الأدلة القرآنية التي تنص على قوله عز وجل (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ـ القصص: 56) ويقول عز وجل (وما على الرسول إلا البلاغ المبين ـ النور: 54)، أي أن الهداية لله عز وجل، والتي تكفل الاتزان النفسي في ضبط النفس في كيفية التحكم بالشهوات والنزوات والبعد عن المحرمات، وأما البشر فعليهم البلاغ أي التلقين.
فمفهوم التربية الصالحة للأبناء تأتي عن طريق أمرين الأول: النية الخالصة لله عز وجل في تزكية النفس أي حفظ النفس من الفتن والشهوات والنزوات ـ والدعاء للنفس وللأبناء وشريك الحياة، وتلك أول مهمة يقوم بها الوالدان من أجل صلاح أبنائهم، أما التنشئة الصالحة للأبناء فتأتي بأمرين «التلقين والملاحظة» كل مكمل الآخر لإبلاغ القيمة المنشودة والسلوك السليم، فإن كان كل من الأم والأب نواياهما غير خالصة لله عز وجل فلن يجدا نفعا أبدا من وراء تنشئتهما لأبنائهما وإن كانت على صواب في ظاهرها فعلى سبيل المثال: الأب وهو الراعي الأول للأسرة والمسؤول الأول عن صلاحها أو فسادها أمام الله، فإن كان ضعيف الوازع الديني ذا لهو ولعب واهمال وفكر ملتو وغير محترم لعلاقته بزوجته وأبنائه، فلن يجني إلا الإحباط لعمله واخفاقا لنجاحه وعزته وهيبته أمام الناس، فإن كان يدخن ولو كان الأمر بالخفاء فسيبليه الله بأبناء مدخنين، وإن كان زانيا وعلى علاقة غير شرعية ولو بالخفاء فسوف يجني على أبنائه أن يكونوا زانين، وإن كان يشرب أو يسرق ولو بالخفاء فسيريه الله سوء عمله بأبنائه، وكذلك الحال للمرأة.. الأم ان كانت فاسقة مهملة لشؤون أسرتها، تقدم نفسها على سعادة أبنائها وزوجها ودينها ملغية الهدف المنشود من رسالتها كأم وربة منزل فإنها مبتلاة بأبناء غير أسوياء فاسقين، فالله لا يهدي للحق إلا من شاء الهداية فعلى الوالدين اخلاص النية لله حتى يحققا التربية المنشودة لأبنائهما، فالله عز وجل يكرر في آيات مبينات عدة أنه لا هداية إلا من شاء الهداية.
أما بالنسبة للتنشئة الاجتماعية والنفسية للأبناء فهي تكون عن طريق عمليتي التلقين والملاحظة فنحن نلقن أبناءنا ثقافتنا بمختلف جوانبها من قيم وأفكار واتجاهات وعادات وتقاليد وعقيدة.. إلخ، إلى جانب الملاحظة، ولا شك أن الوالدين هما قدوة لأبنائهما بما يظهراه من سلوكيات وأقوال وأفعال، وللملاحظة الأثر الأكبر في غرس المفاهيم والقيم من التلقين وحده، والأسلوب الحياتي المتبع يختلف من أسرة وأخرى كل حسب ثقافته وعقيدته، حيث يقول صلى الله عليه وسلم «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم».
family_sciences@