يا بني إننا في آخر الزمان، وقد كثرت علينا الفتن، وغاب وعينا عن الحقائق، وأصبحنا في سبات عميق، فتك بنا الترف حتى أسر عقولنا، ملأت حياتنا الفوضى، ونام عقلنا عن الحق واشتغل بالباطل، ولكنني أثق بالخير الذي يملأ جوفك، وأنك عماد وطن المستقبل واهتمام حاضره.
يا بني: اعلم أنك خلقت لأجل أن تصلي، فالصلاة لا تتوقف على قضية الفرض من الرب، وإنما هي منبع صحة أربع: (نفسك وبدنك وفكرك وخلقك)، فإنها أول طريق لحسن تربيتك، وهي عمود عقيدتك، لأنك بها تنطق الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وبها تصلي (تعبد الله) وبها تصوم (تمتنع عن الطعام) وبها تزكي (تمرن أعضاءك) وبها تحج (تجاهد نفسك في خشوعك لله)، فإن اخلصت بها فقد تبلورت شخصيتك على الحق ومعالجة أمور حياتك بالحكمة، لأن الصلاة تروضك على الصبر والاحسان والنظام وتكرار خير الألفاظ.
٭ واعلم أن العلم محطات لا نهاية لها، فلا تقف عند محطة العمل بالتخصص، بل زاول التعلم لآخر رمق في حياتك، فالعلم منارة لعقلك، ونهضة لفكرك وصقل لشخصيتك، يقول الله عز وجل (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.. المجادلة:11)، إن أكثر ما يثقل على النفس عمل الشيء الذي يُتطلب منه جهد فكري، وإن منابع الرجولة فيك تظهر عند هذا الحد عندما تقاوم جهدا يعصف في ذهنك وتمرنه.
٭ واعلم أن الرجولة تصقل من أربع (الطهارة والجوع والزهد والخشونة)، فكن دائم الوضوء والطهارة، فإنها تنشط أعضاءك وتزيد حركة الدم بالدماغ والكليتين وبها تنشط ذاكرتك وتحمي نفسك من الأمراض ومن الفطريات والجراثيم، واعمل على تجويع نفسك، فلا تأكل على شبع، ولا تملأ معدتك بالطعام، ولا تتذوق ألوانه، فاكسر شهوتك بالتجويع، وتناول بقدر الاغاثة منه، فإنك بذلك تحفز نشاط دماغك ويزيد ذكاؤك، وازهد الجمال وهوس الشراء، ازهد الجديد والمطروح بالأسواق، وارض بما تقتنيه بعيدا عن التملك والتملق والتشدق، فالرجل السليم من يرضى ويقنع ويتواضع ويعف نفسه عن مغريات الدنيا، واجعل الخشونة شعارك، ودرب نفسك عليها، نم على الأرض اليابسة، اقنع بالقليل، جوّع معدتك، احرم نفسك من الملذات والشهوات، جاهد نفسك بالحق الذي يثقل كاهل المترفين.
٭ واعلم يا بني أن العافية تاج على رؤوس الأصحاء، فاحرص عليها بالرياضة، وابتعد عن التدخين فإنه أول علامات التواء فكرك، واحرص على سمعتك أمام الله قبل الناس ولا تستخف بها.
٭ واعلم أن لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك، فالصمت من فنون المروءة والفصاحة، فلتتعلم متى تتحدث ومتى تصمت، وأن خير الكلام ما قل ودل، وأسوأ ما يمس فطرتك الكلام البذيء والفاحش، واغضض من بصرك، ترح من حولك.
٭ واعلم أن العزلة قوتك كلما أحسست بالضعف والمشقة، فبالعزلة تنتظم ذبذبات دماغك، وتريح عضلة لسانك، وصفاء ذهنك، واملأ وقتك بالصلاة والذكر ودراسة القرآن.
يا بني إن صقل الرجولة شيء عظيم، وحصن متين لا يعبره إلا كل ذي عقل حكيم.
family_sciences@