في جميع الأديان السماوية وبالقانون الرباني الهدف الرئيسي من مبادئ الدين ما بين يجوز ولا يجوز وحلال وحرام هو خلق شخصية مسلمة قوية في فكرها وقوامها الاجتماعي والنفسي، من أجل أن تليق بعبادة الخالق أولا وعمار الأرض ثانيا، وعندما نزل الإسلام وأخلص المخلصون في إتقان المبادئ الإسلامية وتطبيقها دون تهاون أو تخاذل، بنى المسلمون آنذاك حضارات عظيمة، حيرت الغرب وأثارت مخاوفهم ورهبتهم من كيان تلك الأمة الراقية، فقد كان المسلمون يهتمون بالفكر الإسلامي وتغلغله في جميع نواحي حياتهم، كما اهتموا بدراسة القرآن الكريم بتدبر معانيه ومفرداته ولغته اللغة العربية، فكان الفرد الواحد آنذاك يمتلك حصيلة لغوية كبيرة، مما انعكس على ظهور الكثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والمثقفين، كما كان العالم بأسره يستمد من الحضارة الإسلامية الكثير من العلوم والتكنولوجيا والفنون والقيم والسلوكيات والمفاهيم الاجتماعية في المعاملات الإنسانية، فكانت الثقافة الفكرية والاجتماعية للمسلمين مبنية على البعد عن اللغو واللهو واللعب، ومن يلعب منهم لا يدخل مجالس الرجال كان يطرد منها، والحال نفسه بالنسبة للنساء فالمرأة اللاهية باللغو واللعب بعيدا عن الأهداف غير مرغوب فيها ويرفض ولاة الأمر دخولها للمنزل خوفا من إفساد أخلاقيات أهل البيت.
فالحضارة الإسلامية مما لا شك فيه من أعظم الحضارات على الإطلاق، وذلك لمساهمتها بشكل كبير في حقول الفن والزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا والفلك، هذا بالإضافة للعديد من اختراعاتها وابتكاراتها، فلو سلطنا الضوء عبر التاريخ على حضارة الأندلس التي يشيد بها الغرب وينبهر بها إلى يومنا هذا، كان أحد أسباب سقوطها وضعفها هو اللغو واللهو واللعب، فعندما دخلها زرياب أكبر موسيقار آنذاك وهو صاحب النوتة الموسيقية، ولمعلومات القارئ ان زرياب العربي الأصل كان نابغة بالثقافة يحفظ الكثير من الشعر ولديه الكثير من الأفكار، حيث إنه صاحب الفضل في ظهور فنون الإتيكيت وفنون الطهي والموضة والمعاملات الديبلوماسية، فقد أبهر الناس بغنائه وشغلهم، كما اشتغل في تعليمهم طريقة معيشية بالتشدق والتملق والخوض في سلوكيات السلاطين حتى لهوا ونسوا دينهم واستولى الصليبيون على الأندلس، وحينها كانت المقولة الشهيرة لآخر سلاطين تلك الحضارة «ابكي كالنساء على مُلك لم تحافظ عليه بالأمس كالرجال».
كما ان الاستعمار الأجنبي في القرون السابقة حتى يتغلغل في الشرق الأوسط في تنفيذ مخططاته وأهدافه في الاستفادة من خيرات الوطن العربي خلق فكرة المقاهي في كل زاوية شارع من أجل إشغال الناس باللغو واللهو بعيدا عن أهدافهم والفكر السياسي المهضوم به حقوقهم وطمس هوية الإسلام.
وها نحن اليوم نشتغل باللهو واللعب غير الهادف، فحياتنا مليئة بالترف والسؤال اليومي في كل بيت أين سنذهب؟ ماذا سنأكل؟ شبابنا غارقون في صرعات الموضة والاهتمام بالشكل، كما أصبحوا مهتمين بالمطاعم والكافيهات وإغراق طاقتهم وشبابهم باللغو الدنيوي والحديث عما يجري على ساحة السوشيال ميديا وما تجلبه لهم من مغريات، وعن الماديات بكثرة حتى أصبحنا بعيدين كل البعد عن الهدف والدين والاهتمام بالفكر، وهذا ما نجح به الاستعمار الفكري في جعلنا أمة نائمة ينتقص من حقوقها الكثير ونحن في غمرة نائمين لاهين بالمغريات والفتن التي أدخلها لنا الغرب، فلابد من حملات توعوية وإصلاحية ضد الفوضى التي نعيشها تبدأ من المدرسة ومن ثم الأسرة.
family_sciences@