تحكي أسطورة «فرسان المائدة المستديرة»، وهي من أدب الخيال البريطاني المنسوب للعصور الوسطى عن الملك آرثر وفرسانه المائة وهم زعماء المملكة، الذين كان يجتمع بهم الملك حول مائدة مستديرة، وسبب أنها مستديرة حتى لا يتقاتلوا على الأماكن لاختلاف رتبهم العسكرية، حيث كانوا يتشاورون في أمور المملكة والتحديات التي تقابلهم، وكان الالتحاق بهذه المائدة ومشاركة الملك هذه الجلسات من علامات الشرف والمجد.
ولا شك أن قصص الفروسية من القصص التي تستهوي دائما الخيال الشعبي في مختلف الحضارات منذ فجر الإنسانية نظرا لما يمثله الفارس من قيم ومبادئ عظيمة، ليست عسكرية فقط ولكن اجتماعية واقتصادية، فكان هو الملهم لمجتمعه ورافع رايات نصره، لذا دائما نقول عن أصحاب الأخلاق النظيفة انهم يتحلون بأخلاق الفرسان وهم الذين تقع على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن الأرض والعرض والمجتمع من أي عنصر دخيل على العقيدة والمكتسبات الموروثة والثقافة المتأصلة كهوية تعبر عن الموطن والوطن.
وإذا نظرنا إلى عالمنا العربي وتراثه الشعبي نجده يزخر بهذه النماذج التي لاتزال تمثل مصدر إلهام لكل باحث عن هذه القيم النبيلة التي تكاد تتوارى خلف مستجدات العصر الحديث وغلبة الحياة المادية على وجداننا، فنجد أن الشخصية العربية في العموم إلا قليلا تأثرت بثقافة التغريب التي لحقت بشبابنا الذين يقلدون سلبيات هذه الثقافات الدخيلة كنوع من الانبهار في غياب الصحوة القيمية وإحياء الهوية من جديد كمظهر من مظاهر التماسك المجتمعي.
نحن لا نريد عزلة عن العصر والتطور الذي استجد فيه ولكن نريد مشاركة الحضارات الأخرى في هذا التطور مع الحفاظ على القيم الوجدانية والثقافية التي هي عنوان لنا وبرهان وجودنا.
نحن يا شباب الكويت نعيش في وطن غال على قلوبنا، نريد أن نحيي فيه قيم الفروسية بداخلنا من اعتزاز بلغتنا ولهجتنا وطعامنا وملبسنا وعاداتنا الموروثة، نريد أن نستعيد قيم الأصالة والكفاح لنبعث من جديد زمن الفرسان، زمن كفاح الأجداد الذين روت دماؤهم الطاهرة أرض الوطن لكي ننعم نحن بما فيه حاليا من أمن وأمان ورخاء وسمعة طيبة على مستوى المحافل الدولية في ظل قيادة حكيمة، فكان هذا نتاجا طبيعيا لما بذلوه من دماء طاهرة زكية ويجب علينا المحافظة على هذا الوطن الغالي وألا نضيع ما سطروه لنا من تاريخ مشرف.
لقد خطت فروسيتهم سطور جديدة في تاريخ هذه الأمة واستيقنوا ببصائرهم النافذة معاني الكرامة والشرف التي توارثناها منهم جيلا بعد جيل كل فارس يسلم الراية لخليفته، قبضة الفارس على رايته هي قبضة لا ترى فيها إلا عروق تنبض بعشق الوطن، فروسية الأجداد كانت حبات عرق صنعوا منها تاجا يزين جبين الوطن.
الفروسية لم تكن يوما سيوفا وجيادا ونزالا فقط ولكن الفروسية معان تسرى في عروق كل مجال من مجالات الحياة لتحقيق الكمال الإنساني.
الفروسية الإنسانية الأخلاقية هي التي تجعلنا فرسانا في الصدق وأعمال الخير والإيثار على النفس، الفارس الحقيقي هو المتجرد لنصرة الحق ودمغ الباطل لأن ميزان الحق والعدل عند الفرسان لا يخضع للهوى والمزاج بل للتشوق بقلب حار إلى النزاهة والترفع عن الصغائر والنقائص لأن الفارس الحقيقي لا يعتذر لنفسه بسوء أفعال الآخرين.
هناك جانب آخر من الفروسية هو الجانب الثقافي المعرفي، اعلموا جيدا إخواني أن قيم الفروسية تستفز أصحابها للتثقف وتجعلهم في حالة جوع دائم للمعرفة والبحث في معارف الآخرين، أيضا الفارس الحقيقي هو من يملك عقلا معرفيا رشيدا يجعل منه المدافع عن قيم وهوية وطنه ضد أي أفكار شاذة تتخلل مجتمعه وتخلخل تركيبته ومكوناته الثقافية الأصيلة، أيضا ينبغي على الفارس الحقيقي أن يتيقظ لأعداء الداخل ويظهر فروسيته بشجاعة وهمة أمام أي فرد يروج للقيم العنصرية والطائفية الخسيسة التي تهدد كيان المجتمع وترابط أبناءه، فالفارس الحقيقي هو الذي يظل ممتطيا صهوة جواده مخترقا صفوف الأعداء في الداخل والخارج ليقف على ربوة عالية رافعا شعار العزة للوطن فقط.
الكويت تحتاج مزيدا من الفروسية في أبنائها لتحتل مكانا ثابتا في أسواق الصادرات الاقتصادية العالمية كأحد تحديات المستقبل، نحن نملك على أرضنا كل المقومات التي تجعلنا نحقق نجاحات اقتصادية عالمية بنكهة كويتية في عالم الصناعة والزراعة، نريد مزيدا من الفرسان في المحافل الرياضية لدعم روابط الاخوة والإنسانية والتنافس الشريف فالرياضة لغة التعارف بين الشعوب، الفارس الحقيقي هو من يسعى لتمثيل بلده بشكل مشرف وتسطير تاريخ تحكيه الأجيال ونفخر به.
يا شباب الكويت نحن في مرحلة مهمة تحتاج لإحياء قيم الفروسية بداخلنا، الفارس لا يتخلى عن قيمه ولا وطنه والمحارب لا يستريح إلا بأداء كامل رسالته، وطننا الغالي يحتاج منا قيم الفروسية لنكون عنوان مجده وأدوات التحدي لمستقبله، ونحن الرهان الحقيقي لهذا التحدي.
فهلا فقهنا المعنى الحقيقي المتكامل للفروسية؟