وأنا أطالع الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي لفت انتباهي حدثان حازا اهتمام معظم شعوب المنطقة، الأول هو تقدم الحكومة الإسرائيلية إلى الكنيست بمشروع قرار بمنع استخدام مكبرات الصوت في مساجد مدينة القدس المحتلة ما بين الساعة الحادية عشرة مساء إلى الساعة السابعة صباحا، والحدث الثاني هو حرائق الغابات في إسرائيل وإظهار حالة الشماتة من الجماهير العربية والإسلامية والتفسير العجيب كالمعتاد بأن ذلك انتقام إلهي على قرار منع الأذان والذي لم يقره الكنيست بعد.
وإحقاقا للحق أنا أرى أن مشروع هذا القرار هو ليس من باب المكايدة السياسية أو التضييق الديني ولكن هناك بعض الناس تسيء استخدام التكنولوجيا الحديثة بما فيها مكبرات الصوت في المساجد وفي أوقات الهدوء والراحة وهو حق مكفول لكل الناس بمن فيهم المرضى والطلبة وكبار السن من كل الأديان في المجتمع الواحد، ولكن ما يحزنني بالفعل هو ردة الفعل من الجماهير العربية تحديدا تجاه حرائق الغابات والتي كشفت لنا حالة العجز واليأس والفشل السياسي والمجتمعي والذي تبلور في إظهار الشماتة في غير موضعها والتي أظهرت للعالم المستوى المتدني للفكر والوعي والأخلاق وهو ما يذكرني بالبيت الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي يقول فيه: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، كيف نتخلق بهذا السلوك المتدني ونحن قدوتنا معلم البشرية قد وقف لجنازة يهودي احتراما لها وبالاستفسار من الصحابة عن سبب وقوفه، أجاب قائلا: أليست نفسا؟! وكذلك الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما مرض هذا الغلام عاده النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الإسلام والغلام كان بجوار أبيه فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أعتقه من النار.
ما أعظمك يا رسول الله، فالتسامح واللين وعدم إظهار الحقد والكراهية من السنن النبوية الكبرى وهي من سنن المعاملات التي يجب أن نتأسى بها من أخلاق وأفعال رسولنا الكريم حتى نخرج من نفق الحقد والكراهية المظلم.
وأنا بدوري أتساءل: أي نصر تحقق لهؤلاء الشامتين لكى يظهروا هذا الفرح المبالغ فيه ونفسره بهذا التفسير الذي يرسخ حالة الغباء واللامنطق بنظرية الانتقام الإلهي، لاسيما ان أكبر كارثة طبيعية في القرن الماضي كان إعصار بولا في الساحل الشرقي لباكستان (بنغلاديش حاليا) والذي حصد أرواح ما يقرب من نصف مليون مسلم وكذلك إعصار تسونامي، ولن نتوسع في ضرب الأمثال من تاريخنا القديم والمعاصر في دحض هذا الهراء المخدر للشعوب والمزيف لوعيهم والإصرار العجيب على الانتقائية والخلط المتعمد بين ما هو سياسي وديني وإنساني واجتماعي ثم إلصاق هذا الخليط العجيب بالمشيئة الإلهية!
وللأسف ما بين المزايدين والشامتين والعاجزين عن الفهم والمصرين على تحميل العالم تبعات سطحيتهم، نجد مساحات من البؤس واليأس وطبيعة التفكير التي تحكم وتتحكم في شعوب المنطقة واستغلال الدين بشكل سيئ في تأجيج الصراع الديني والسياسي والطائفي وكأن ذلك أصبح رغبة الغالبية من شعوب المنطقة وهذا ما لا نرجوه ولا نتمناه ولكنه يزيد من المسؤولية على العقلاء وهم قليل للأسف الشديد، وكما يقول الشاعر: عدوك ذو العقل أبقى عليك... وأبقى من الوامق الأحمق.
سلام الله على العقلاء في كل زمان ومكان.