لو افترضنا ان مهارتك بالضرب على آلة العود تفوق مهارة ابراهيم الموصلي او منير بشير فان هذه الموهبة لن تنفعك وانت تعزف في سوق الصفافير وسط ضجيج المطارق حيث لا احد بمقدوره ان يسمعك، وكذلك ان كانت ريشتك اكثر براعة من ريشة بيكاسو فلن تجد في سوق الحراج أحدا يعجب بلوحتك، فالناس قد حضروا السوق للبيع والشراء لا لمتابعة لوحات الفنانين التشكيليين.
العزف على العود يتطلب وجود «سَميّعة» يستمتعون بسماع هذه الآلة الموسيقية الوترية، كمثل الرسم الذي يستدعي جمهورا شغوفا بالفنون التشكيلية ومتابعا لها، وهكذا رصانة الرأي بحاجة لمن يبحث عنها ويحترمها، فالآراء العاقلة تستدعي وجود بيئة مناسبة، والحكمة سلعة تبور وتكسد على الارفف في حال عدم وجود طلب لها.
ان انحسار الرأي الرصين وندرة الطروحات الناضجة في ساحتنا المحلية ربما يشير الى مرض هذه الساحة المرتهنة للضجيج والآراء المستعجلة او المرتبكة او العاطفية او المتشنجة او الساذجة، ففي مثل هذه الساحات لن تجد رأيا ناضجا، او تجد فرصة تصغي بها لحكيم، فالحكماء صمتوا والآراء الرصينة انزوت في الامكنة القصية، والحبل متروك على الغارب.
www.salahsayer.com